الذى أنا على يقين منه أن أحدا من علماء المدارس الأصولية الكبرى([1]) لم يصرح بإغلاق باب الاجتهاد ، بل ساعدوا على شيوعه ، وتسهيل شروطه وعدم تعسيرها، بل كان بعضهم - كالإمام الغزالى([2]) - صريح الرغبة فى تخفيف شروطه، فإنه لا يذكر شرطا إلا عقبه بقوله : والتخفيف فيه كذا وكذا ، فيذكر ما يخفف الأمر فيه على طالب الاجتهاد . بل إن اهتمام العلماء بعلم أصول الفقه وبغيره من أدوات الاجتهاد تأليفا وتدريسا جيلا بعد جيل لأكبر دليل على عدم قولهم بإغلاق باب الاجتهاد . وليس أدل على ما نقول من أنهم قسموا الاجتهاد إلى واجب عينا وكفاية ، فكيف يكون واجبا عينا فى حالات ، ويكون بابه مغلقا ، وهل يتصور ممن يقولون بوجوبه عينا وكفاية أن يقولوا بإغلاقه أيضا ؟! .
وفى ذلك يقول العلامتان البهارى وابن الهمام رحمهما الله - مع زيادة بيان وإيضاح من الشروح - : ((…ثم قسموه – أى الاجتهاد – من حيث الحكم إلى :
1- اجتهاد واجب وفرض عينا على المجتهد المسئول عن حكم حادث عند خوف المجتهد فوت الحادثة بحيث لا يستطيع السائل السؤال من غيره ، ويخاف المجتهد أن يفوت أداء ما وجب على المستفتى فى تلك الحادثة على غير الوجه الشرعى حال الحادثة فيقع المستفتى فى مخالفة الشرع ، فيتعين الجواب على المجتهد . وواجب عينا على المجتهد فى حق نفسه إذا نزلت الحادثة به بحيث احتاج هو للعمل .
2- وواجب كفاية على المجتهد عند عدم خوف فوت الحادثة وثَم مجتهد غيره يتمكن السائل من السؤال منه ، فيتجه الوجوب على جميعهم حتى لو أمسكوا مع اقتدارهم على الجواب أثموا ، فالمجتهدون يأثمون بترك الاجتهاد حيث لا عذر لهم ، ويسقط الوجوب عن ذمة الكل بفتوى أحدهم – أى أحد المجتهدين – لحصول المقصود .
3- وإلى اجتهاد مندوب وذلك قبل وجوبه عينا أو كفاية كالاجتهاد قبل وقوع حادثة غير معلومة الحكم ليكون الحكم حاضرا عنده فينفعه عند وقوع الحادثة.
4- وإلى اجتهاد حرام فى مقابلة قاطع نص - من كتاب أو سنة - أو إجماع([3]) .
وسنلخص هنا ما يعين على فهم قضية الاجتهاد التى بقدر ما ثارت بقوة فى عصر السيوطى إنكارا عليه ، بقدر ما تثور فى عصرنا أيضا حيث يمثل الاجتهاد الأداة الأساسية لمواجهات مشكلات المسلمين المعاصرة ([4]) .
وحاصل ذلك أنهم اشترطوا فى المجتهد أن يعرف من الكتاب والسنة ما يتعلق بالأحكام ، وأن يعرف : الإجماع ، والقياس ، وكيفية النظر ، والعربية ، والناسخ والمنسوخ ، وحال الرواة ، ثم بينوا المراد بمعرفة ذلك ، فبالنسبة للقرآن الكريم لم يشترطوا حفظ جميع القرآن ولا معرفة جميعه ، قالوا : بل يكفى أن يكون عارفا بمواقعه حتى يرجع إليه فى وقت الحاجة . وكذلك قالوا فى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل صرح إمام الحرمين وغيره بأنه يكتفى فيه بالتقليد وتيسير الوصول إلى دركه بمراجعة الكتب المرتبة المهذبة . أما الإجماع فليس المراد حفظ تلك المسائل المجمع عليها بل طريقه أن لا يفتى إلا بشىء يوافق قول بعض المجتهدين أو يغلب على ظنه أنها واقعة متولدة فى العصر لم يكن لأهل الإجماع فيها خوض . وأما حال الرواة فيكتفى بتعديل أئمة علم الرجال كالبخارى ونحوه . قالوا : وأهم علوم المجتهد علم أصول الفقه . أما الفقه فمنهم من قال إنه لا يشترط العلم به أصلا للمجتهد لأنه ناتج الاجتهاد . ومنهم – كإمام الحرمين – من قال إنه لا بد منه فهو المستند لكن لا يشترط أن تكون جميع الأحكام على ذهنه فى حالة واحدة ولكن إذا تمكن من دركه فهو كاف . ويرى الإمام الغزالى - بعد أن خَفَّفَ من شروط الاجتهاد - أن اجتماع كل هذا إنما يشترط فى حق المجتهد المطلق الذى يفتى فى جميع المسائل ، وليس الاجتهاد منصب لا يتجزأ ، بل يجوز أن يقال للعالم بمنصب الاجتهاد أن يجتهد فى بعض الأحكام دون بعض … وليس من شرط المفتى أن يجيب عن كل مسألة . ويقول الإمام الرازى : ((واعلم أن الإنسان كلما كان أكمل فى هذه العلوم التى لا بد منها فى الاجتهاد كان منصبه فى الاجتهاد أعلى وأتم ، وضبط القدر الذى لا بد منه على التعيين كالأمر المتعذر))([5]) .
والحاصل مما ذكروه : أن الشرط الحقيقى للمجتهد فقه النفس – وهو غير كسبى – والعلم الواسع بطرق الاستدلال ، أما ما عدا ذلك من العلم بالكتاب والسنة والفقه والعربية فيكفيه الإلمام بذلك ، والقدرة على فهم النصوص وكلام العلماء ، والقدرة على الكشف عن الآيات والأحاديث والمسائل فى مظانها من المصادر والمراجع المختلفة ، بحيث إذا احتاج إلى النظر فى مسألة سهل عليه الوقوف على ما ورد فيها من الكتاب والسنة وسهل عليه الوقوف على كلام العلماء حولها ، واستعمل فى كل ذلك فقه نفسه وقدرته على الاستنباط للوصول للحكم الشرعى .
وفى ذلك يقول أحد العلماء المتأخرين وهو الشيخ الجاوى (ت بعد سنة 1306 هـ) : ((يكفى معرفته لجمل من كل علم منها ، وهو أمر سهل فى هذا الزمان ، فإن العلوم قد دونت وجمعت))([6]) .
وفى اعتقادى أن كل من حصل على العالمية الأزهرية القديمة فقد حصل آلات الاجتهاد جميعا ، فقد كانوا للحصول عليها يمتحنون فى خمسة عشر علما تجمع علوم المقاصد والآلات جميعا ، ويمتحنون فى كل علم على أعلى درجات التخصص فيه ، فكأنه يحصل على درجة الدكتوراه الحالية فى كل علم على حدة ، فماذا كان ينقصهم للاجتهاد من الناحية العلمية ، لا شىء إلا الاشتغال به ، وإخراجه من حيز القوة إلى الفعل ، وهذا ما تراه اتصف به حقا طبقة العلماء فى القرن الماضى ممن تعلموا بهذه الطريقة العميقة ، وظهر فى مصنفات من صنف منهم كالشيخ بخيت المطيعى ، والشيخ الدجوى ، والشيخ سلامة العزامى ، والشيخ محمد حسنين مخلوف العدوى المالكى ، وابنه مفتى الديار حسنين محمد حسنين مخلوف الحنفى ، ومولانا شيخ الإسلام عبد الله بن الصديق الغمارى ، وغيرهم من هذه الطبقة التى تعلمت على شيوخ آخر طبقات المؤلفين على طريقة الحواشى ، ثم عاصرت الصدمة الحضارية ، وتتابع النوازل علينا ، ثم ما يعرف بالنهضة الحديثة ، فشاركت هذه الطبقة بقوة واجتهاد وعلم ، ولهذا أعدها أكثر طبقات الأزهريين تمثيلا للمدرسة الأزهرية الأصيلة([7]) .
ونختم الكلام فى هذه المسألة برأى الإمامين الكبيرين أبى شامة وشيخ الإسلام تقى الدين السبكى .
يقول الإمام أبو شامة – فيما نقله عنه التقى السبكى فى معنى قول الإمام المطلبى - : ((إن الله يسر وله الحمد الوقوف على ما ثبت من الأحاديث وتجنب ما ضعف منها مما جمعه الحفاظ كالصحيحين والمستدرك عليهما وابن خزيمة والترمذى وأبى داود والنسائى وابن ماجه وابن حبان والدارقطنى والبيهقى ، فلا عذر فى ترك الاشتغال بها ، وكذلك المسائل الفقهية المبنية على اللغة كل ذلك إلى علماء اللسان ، فالتوصل إلى الاجتهاد ميسور وأسهل منه قبل اليوم ، لولا قلة همم المتأخرين وعدم المعتبرين ، ومن أكبر أسبابه تعصبهم وتقيدهم برفق الوقوف (كذا فى المطبوع) ...)) .
قال التقى السبكى : ((وتضييع كثير من زمانهم بالتوسع فى علوم غير علوم الشريعة ، أو فى علوم الشريعة بالجدل والتعمق فى التفريعات الدقيقة ، فيشغلهم ذلك عن فهم نفس الشريعة ، والاطلاع على قواعدها الكلية وأسرارها التى هى أكثر نفعا ، وبذلك وصل المتقدمون إلى الاجتهاد ، وبتركه حرمه المتأخرون))([8]) .
وهذا نص واضح وقاطع من إمامين من أكابر العلماء ليس فقط بفتح باب الاجتهاد ، وإنما بتأكيد أنه أكثر انفتاحا من العهود السابقة عليهم ، وذلك بتيسر أسبابه ، كما يضع النص أيدينا على أهم المشكلات التى تمنع من الوصول إلى الاجتهاد ، ويبين لنا الطريق الصحيح للوصول إليه .
كل هذا يلقى بكثير من ظلال الشك على ما شاع بيننا من إغلاق العلماء باب الاجتهاد ، واتهام علمائنا المتقدمين بالجمود والتقليد ، وهى قضية من قضايا كثيرة شائعة فى أوساطنا الفكرية تحتاج إلى كثير من المراجعة والتحرير وبيان الحق فيها ، حيث استغرقت بسبب شيوعها على وجه الخطأ جهدَ كثير من المعاصرين ، ولو عُرف حقيقة كلام العلماء فيها لوفرنا كثيرا من الجهد لمناقشة قضايانا الحقيقية التى هى بحاجة لمناقشة ، وعلى أقل تقدير كان الجهد المبذول فى مناقشة هذه القضية أولى أن يبذل فى تمهيد أسباب الاجتهاد بما يناسب العصر الحالى .
فالتشديد - غير المبرر - فى أسباب الاجتهاد أدى إلى إحباط عام مما ترتب عليه فوضى الاجتهاد الذى نعانى منه الآن ، وبين إغلاق باب الاجتهاد تماما أو فتحه على مصرعيه دون ضابط ، هناك الموقف الحقيقى - الذى عرضناه - لعلمائنا المتقدمين وكثير من محققى المتأخرين والمعاصرين ، وقد قرروه على مستوى التنظير ، ومارسوه على مستوى التطبيق([9]) ، فلا بد من التمسك به .
وما الإمام السيوطى إلا نموذج لذلك .
كل ذلك يلقى بعبء المسئولية على العلماء المعاصرين ، فإذا كانت أسباب الاجتهاد قد يسرها السابقون بما قدموه من إنتاج علمى وأدوات وآلات الوصول إلى الاجتهاد ، والتى قد تيسرت أكثر وأكثر بما استحدث من طرق البحث عن المعلومات من فهارس وكشافات وحاسب آلى … إلخ ، ولم يبق للعالم إلا إتقان مناهج الاستنباط ، وإتقان استخدام كل أدوات الاجتهاد ، والتدرب على الاجتهاد .يقول الإمام الغزالى عند مناقشة هل يشترط معرفة الفقه للمجتهد : ((إنما يحصل منصب الاجتهاد فى زماننا (زمانه ، وهو حاصل فى زماننا أيضا) بممارسته (يعنى ممارسة الفقه) ، فهو طريق تحصيل الدربة فى هذا الزمان ، ولم يكن الطريق فى زمان الصحابة ذلك ، ويمكن الآن سلوك طريق الصحابة أيضا))([10]) .
([1]) لنا دراسة موسعة عن الطرق الأصولية والمدارس المندرجة تحتها وأهم مميزاتها فى مقدمتنا لتحقيق نهاية السول للإسنوى (أعان الله على طبعه) ، كما تناول الحديث عن تلك المدارس العديدُ ممن كتب فى أصول الفقه .
وحاصل ذلك أن هناك ثلاث طرق رئيسية فى علم أصول الفقه : طريقة المتكلمين أو الشافعية ، وطريقة الحنفية ، وطريقة الجمع بينهما ، هذه الطرق جميعا بمدارسها المتفرعة منها خدمها أعلام العلماء ، وتمثل بحق الثقل الأصولى على امتداد القرون ، وليس فيها – فيما اطلعنا عليه من كتبها – من أغلق باب الاجتهاد ، أو تعسف فى شروطه تضييقا له .
أما طريقة المتكلمين أو الشافعية – وهى أقوى الطرق الأصولية وأوفاها نظرا - فالمدارس السائدة فيها هى : مدرسة الفخر الرازى فى كتابه المحصول وفروعه ، ومدرسة الآمدى فى كتابه الإحكام وفروعه ، ومدرسة التاج السبكى فى كتابه جمع الجوامع وفروعه . وهذه المدارس الثلاثة هى أشهر وأوثق مدارس المتكلمين الأصولية . وترجع هذه المدارس إلى أصول مهمة تعتبر أمهات علم الأصول قبل استقرار مدارسه ، وعلى رأس هذه الأمهات : البرهان لإمام الحرمين ، المستصفى للغزالى ، المعتمد ، شرح العمد كلاهما لأبى الحسين البصرى . وعلى هذه الأربعة تحديدا بنيت مدرستا الفخر الرازى ، والآمدى حيث لخصا هذه الأربعة فى كتابيهما المحصول ، والإحكام .
وسنجد أن المالكية والحنابلة قد انضموا إلى أحد هذه المدارس فى الأغلب ، مع بيان أصول مذهبهم فيما خالف فيه الشافعية ، فسنجد مثلا أن القرافى المالكى من مدرسة المحصول ، وابن الحاجب المالكى من مدرسة الآمدى ، وابن رشيق المالكى (ت 632هـ) من مدرسة الغزالى التى هى أحد أصول مدرسة الرازى . أما الحنابلة فإنهم بنوا غالبا على مدرسة المستصفى – الذى هو أحد الأصول الأربعة لمدرسة المحصول – حيث إن أشهر كتبهم الأصولية هو الروضة لابن قدامة وهو مختصر للمستصفى ، وحول الروضة بنى الحنابلة صرحهم الأصولى .
أما الحنفية فلهم طريقة خاصة بهم فى أصول الفقه ، ويمثل كتاب أصول السرخسى (ت 490 هـ) أحد أهم أمهات طريقة الحنفية ، أما أهم مدارس طريقة الحنفية فمدرستان : مدرسة البزدوى ، ومدرسة المنار . أما مدرسة البزدوى فدارت حول كتاب أصول الإمام البزدوى (ت 482 هـ) وهناك حوالى (15) عملا دارت حوله ذكرها فى كشف الظنون (1/112 – 113) . أما المنار لأبى البركات النسفى (ت 710 هـ) فيعد من أهم ما يعبر عن طريقة الحنفية ويجمع شتات أصولهم ، ولهذا اعتنى به علماء الحنفية عناية بالغة ، وصار له أتباع ، بما يمكن أن يعد مدرسة خاصة داخل طريقة الحنفية تناظر مدارس المتكلمين . انظر بخصوص المنار وما دار حوله من أعمال أصولية والتى تجاوز عددها خمسين عملا : كشف الظنون (2/1824 – 1827) .
أما طريقة الجمع بين طريقتى الشافعية والحنفية فيمثلها عدة أعمال أصولية مهمة على رأسها : التحرير للكمال ابن الهمام الحنفى – والتنقيح لصدر الشريعة – ومسلم الثبوت لمحب الله البهارى .
لمزيد من المعلومات عن علم أصول الفقه وأهم المؤلفات فيه انظر : مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده (2/163-172) ، وأبجد العلوم للقنوجى (2/95- 107) .
هذا تعريف مختصر بهذه الطرق الأصولية ومدارسها ، وهو كالتمهيد لما قلناه من أننا ((على يقين من أن أحدا من علماء المدارس الأصولية الكبرى لم يصرح بإغلاق باب الاجتهاد ...)) إلخ ، فلم نلق القول جزافا ، ولا ادعينا عليهم أمرا ، وسيأتى توثيق المسألة من مصادر كل مدرسة .
([2]) انظر : المستصفى (2/350- 354) .
([3]) انظر : مسلم الثبوت للبهارى مع شرحه فواتح الرحموت (2/362-363) والتحرير للكمال ابن الهمام (ص 523) ، تيسير التحرير لأمير بادشاه (4/179 – 180) .
([4]) لنا بحث غير منشور بعنوان ((حول قضية الاجتهاد)) تناولنا فيه هذه القضية بالتفصيل حيث تكلمنا عن أنه لا بديل عن الاجتهاد ، وأن الاجتهاد تكليف وضرورة ، وأنه روح عامة ، وتحدثنا عن قيمة الاجتهاد وتعريفه ومجاله ومناطه ومسئولية المجتهدين ومراتبهم ، وبيان أنه لا يخلو عصر من مجتهد ، وفقه الواقع ، ووضحنا موقف العلماء من شروط الاجتهاد ، وتيسر الوصول إليه ، وأهمية التدرب على الاجتهاد ، ووقفنا بوجه خاص على إشكالات الاجتهاد الفقهى ، وإجراءاته ، وعلى الاجتهاد فى العصر الحديث إلى غير ذلك من القضايا التى اهتم بها البحث . وقد حرصنا فى كل هذا على بيان الموقف الأصيل لعلمائنا المتقدمين ، وإبراز الوجه المشرق لهم ، ودفع تهمة الجمود والتقصير عنهم ، وأننا انشغلنا بمهاجمتهم – وليس ذلك بواجب علينا – عما هو واجب علينا من تحصيل أدوات الاجتهاد وممارسته .
([5]) انظر بخصوص قضية الاجتهاد وما أكدناه سابقا من عدم مناداة أحد من أتباع هذه المدارس بإغلاق بابه ، بل نادوا بتيسير أسبابه وشروطه :
1- أمهات علم الأصول : البرهان لإمام الحرمين (ت 478 هـ) ، (2/869-871) . الورقات لإمام الحرمين ، (ص 37 - 38) ، ومع شرح المحلى (ت 864 هـ) بحاشية الدمياطى (ت 1117 هـ) ، (ص 22-23) . وبحاشية الجاوى المسماة النفحات على شرح الورقات (ص 163- 167) . ومع الشرح الكبير لابن قاسم العبادى (ت 994 هـ) ، (2/524-544) ، وفيه عرض جيد لآراء العلماء حول شروط الاجتهاد . المستصفى للغزالى (ت 505 هـ) ، (2/350- 354) . شرح العمد لأبى الحسين البصرى المعتزلى (ت436 هـ) ، (1/372-378 ، 2/235 وما بعدها) . المعتمد لأبى الحسين أيضا (2/357 وما بعدها) وفيهما كلام نفيس عن الاجتهاد وطرقه وأساليبه . اللمع لأبى إسحاق الشيرازى (ت 478 هـ) ، (ص71-72) . الوصول إلى علم الأصول لابن برهان (ت 518 هـ) ، (2/337-382) ، ولم يتعرض صراحة لشروط الاجتهاد لكن فى المسائل التى تناولها عن الاجتهاد ما يوضح رأيه فى ذلك .
وممن يندرج تحت هذا القسم : لباب المحصول فى علم الأصول (2/711-714) ، وهو لابن رشيق المالكى (ت632 هـ) اختصر فيه المستصفى للغزالى .
2- مدرسة المحصول انظر : المحصول للإمام الرازى (ت 606 هـ) ، (ج2/ ق3/ ص6 ، 30 – 37). الحاصل للتاج الأرموى (ت 653 هـ) ، (2/1000) . التحصيل للسراج الأرموى (ت682 هـ) ، (2/281 ، 286-288) . شرح تنقيح الفصول فى اختصار المحصول للإمام القرافى (ت 684 هـ) ، (ص429 ، 437-438) . المنهاج للبيضاوى (ت 685 هـ) ، (ص 118-119) . وشروحه : شرح الجزرى (ت 711 هـ) ، (2/289-290) . شرح المنهاج للشمس الأصفهانى (ت 749 هـ) ، (2/821 ، 831-835) . الإبهاج للتاج السبكى (ت 771 هـ) ، (7/2897- 2905) . نهاية السول شرح منهاج الأصول للإسنوى (ت 772 هـ) ، (2/1035-1038) .
3- مدرسة الآمدى ، انظر : الإحكام للآمدى (ت 631 هـ) ، (4/141-143) . منتهى السول للآمدى (3/57) . المختصر لابن الحاجب (ت 646 هـ) ، والمسمى منتهى السول والأمل فى علمى الأصول والجدل (ص 156) ، ويعرف أيضا بمنتهى الوصول كما أثبت على طرة المطبوع . مختصر المنتهى لابن الحاجب مع شرح العضد (ت756 هـ) ، (2/289-309) . بيان المختصر للشمس الأصفهانى (ت 749 هـ) ، (2/805) . شرح مختصر المنتهى للرهونى (ت 773 هـ) والمسمى تحفة المسئول فى شرح مختصر منتهى السول (4/243) . وقد تعرض الآمدى باختصار لشروط المجتهد ، بينما أعرض عنها ابن الحاجب ، لكن ما تناولوه هو وشراحه من مسائل الاجتهاد يكفى لبيان الصورة التى أثبتناها من عدم إغلاق باب الاجتهاد وتيسره وجواز تجزئته .
4- مدرسة جمع الجوامع : جمع الجوامع لابن السبكى (ت 771 هـ) ، مع شرح المحلى (ت 864 هـ) بحاشية البنانى (2/382 – 386) . تشنيف المسامع بجمع الجوامع للزركشى (ت 794 هـ) ، (4/563-575) . غاية الوصول شرح لب الوصول لشيخ الإسلام زكريا الأنصارى ، وهو مختصر جمع الجوامع (ص 147 – 148) . التعرف لابن حجر الهيتمى وهو مختصر جمع الجوامع ، مع شرحه لابن علان ، (ص 98- 100) .
5- مدرسة الفقهاء أو الحنفية : المنار لأبى البركات النسفى (ت 710 هـ) مع شرح ابن نجيم (ت 970 هـ) المسمى فتح الغفار (3/34- 35) . ومع شرح علاء الدين الحصنى المسمى إفاضة الأنوار وحاشية ابن عابدين المسماة نسمات الأسحار (ص 225 – 226) . مختصر المنار لزين الدين الحلبى (ت 808 هـ) ، (ص 21) .
6- مدرسة الجمع بين طريقتى الشافعية المتكلمين والحنفية : التلويح على التوضيح شرح التنقيح للسعد التفتازانى (2/234 – 236) ، وتغيير التنقيح لابن كمال باشا (ت 940 هـ) ، (ص226) . مسلم الثبوت لمحب الله بن عبد الشكور البهارى (ت 1119 هـ) ، مع شرحه فواتح الرحموت لعبد العلى محمد بن نظام الدين الأنصارى (ت 1225 هـ) ، (2/362 -366) . التحرير للكمال ابن الهمام (ت 861 هـ) ، (ص 523-524) ، وشرحه تيسير التحرير لمحمد أمين المعروف بأمير بادشاه الحسينى البخارى (ت نحو 972 هـ) ، (4/178- 183) .
7- المؤلفات الأصولية التى لا تندرج تحت مدرسة بعينها فيما نعلم : أدب المفتى والمستفتى لابن الصلاح (ت 643 هـ) ، (ص 86- 91) . قواعد الأصول لصفى الدين الحنبلى (ت 739 هـ) ، (ص 136-137) . البحر المحيط للزركشى (ت 794 هـ) ، (8/229-238). إرشاد الفحول للشوكانى (ت 1250 هـ) ، وهو كالمختصر للبحر المحيط للزركشى (2/297 - 303) وفيه تحرير جيد لشروط الاجتهاد بحسب رأى الشوكانى ، ومناقشة لآراء العلماء .
فهذه استقراء واسع لكتب الأصوليين من كافة مدارسهم لم يصرح فيهم أحد بما يشنع به على علمائنا من أنهم أغلقوا باب الاجتهاد ، وإنما نظموه وضبطوه ، وبينوا شروطه ، دون إفراط فيشددوا ، أو تفريط فيدعيه كل أحد ، حتى لا تصير الأمور فوضى .
([6]) حاشية النفحات على شرح الورقات للشيخ أحمد بن عبد اللطيف الجاوى الشافعى (ت بعد 1306 هـ) ، (ص 165) .
([7]) تحتاج هذه الفترة الغنية باجتهادات العلماء ، إلى دراسة وافية تركز على الجانب الاجتهادى فى الحياة العلمية والفكرية لعلماء هذه الفترة والتى تمتد من أوائل القرن الرابع عشر الهجرى وعلى مدى أكثر من خمسين عاما .
([8]) انظر ((معنى قول الإمام المطلبى إذا صح الحديث فهو مذهبى)) ، لشيخ الإسلام تقى الدين السبكى (ت 756 هـ) ، ص 108 – 109 .
([9]) ممارسة الاجتهاد لم يخل منها عصر ، وأقل نظرة على فتاوى العلماء على مر العصور تظهر ذلك ، وإليك نماذج من أصحابنا الشافعية بدءا من فتاوى القفال المرزوى (ت 417 هـ) وهى تحت الطبع بتحقيقنا ، ومرورا بابن الصلاح (ت 643 هـ) ، والعز ابن عبد السلام (ت 660 هـ) ، والنووى (ت 676 هـ) ، والتقى السبكى (ت 756 هـ) ، ومن بعدهم الشمس الرملى (ت 1004 هـ) ، وابن حجر الهيتمى (ت 974 هـ) . فضلا عن فتاوى علماء المالكية والذى يمثل المعيار المعرب فى فتاوى علماء المغرب أقوى نموذج لذلك ، وانتهاء بفتاوى الشيخ عليش (ت 1299 هـ) ، وفتاوى علماء الحنفية نحو فتاوى قاضيخان (ت 592 هـ) ، والفتاوى الهندية ، وانتهاء بفتاوى ابن عابدين (ت 1252 هـ) ، وفتاوى جدنا لوالدتنا الشيخ محمد المهدى شيخ الجامع الأزهر (ت 1315 هـ) ، المجموعة فى أربعة مجلدات بعنوان الفتاوى المهدية . ومن بعدهم من كبار متأخرى العلماء كالشيخ بخيت المطيعى (ت 1354 هـ) ، ومحمد حسنين العدوى المالكى (ت 1355 هـ) ، وسلامة العزامى (ت 1376 هـ) ، ويوسف الدجوى (ت 1365هـ) ، والحافظ أحمد الغمارى (ت 1380هـ) ، وانتهاء بشيخنا شيخ الإسلام عبد الله الغمارى (ت 1413 هـ) . فهذه نماذج بارزة بداية من عصر استقرار المذاهب الكبرى فى القرن الخامس الهجرى وعلى مدى عشرة قرون إلى أوائل القرن الخامس عشر ، ومن لم نذكرهم أكثر مما ذكرناهم ، وإنما اقتصرنا على من هم من رموز المدرسة المحافظة التقليدية (إن صح التعبير) والذين حملوا لواء التجديد والإصلاح الحقيقى ، أما رموز ما يسمى بالمدرسة الإصلاحية فمعروفون اشتهر بين الناس دورهم فى الإصلاح والتجديد ، ونحيل من أراد التوسع على حسن المحاضرة للسيوطى حيث عقد فصولا للمجتهدين فى مصر فى شتى العلوم منذ دخلها الإسلام وإلى عصر السيوطى فى القرن العاشر ، فذكر عشرات من المجتهدين ، هذا فى بلد واحد فما بالك بسائر ديار الإسلام . فإذا كان الاجتهاد – كما صورناه – لم ينقطع فما الذى حدث لنا ، فليس عدم المجتهدين إذن سبب تخلفنا وضعفنا وهواننا ، بل عدم السماع للعلماء فيما فيه صلاحنا ، والكسل والدعة والتهاون والفساد والركون وترك أسباب القوة والتقدم … هو سبب أننا فى ذيل الأمم اليوم .
([10]) المستصفى (2/353) . ووافقه العلامة السعد التفتازانى فى التلويح (2/236) .
وفى ذلك يقول العلامتان البهارى وابن الهمام رحمهما الله - مع زيادة بيان وإيضاح من الشروح - : ((…ثم قسموه – أى الاجتهاد – من حيث الحكم إلى :
1- اجتهاد واجب وفرض عينا على المجتهد المسئول عن حكم حادث عند خوف المجتهد فوت الحادثة بحيث لا يستطيع السائل السؤال من غيره ، ويخاف المجتهد أن يفوت أداء ما وجب على المستفتى فى تلك الحادثة على غير الوجه الشرعى حال الحادثة فيقع المستفتى فى مخالفة الشرع ، فيتعين الجواب على المجتهد . وواجب عينا على المجتهد فى حق نفسه إذا نزلت الحادثة به بحيث احتاج هو للعمل .
2- وواجب كفاية على المجتهد عند عدم خوف فوت الحادثة وثَم مجتهد غيره يتمكن السائل من السؤال منه ، فيتجه الوجوب على جميعهم حتى لو أمسكوا مع اقتدارهم على الجواب أثموا ، فالمجتهدون يأثمون بترك الاجتهاد حيث لا عذر لهم ، ويسقط الوجوب عن ذمة الكل بفتوى أحدهم – أى أحد المجتهدين – لحصول المقصود .
3- وإلى اجتهاد مندوب وذلك قبل وجوبه عينا أو كفاية كالاجتهاد قبل وقوع حادثة غير معلومة الحكم ليكون الحكم حاضرا عنده فينفعه عند وقوع الحادثة.
4- وإلى اجتهاد حرام فى مقابلة قاطع نص - من كتاب أو سنة - أو إجماع([3]) .
وسنلخص هنا ما يعين على فهم قضية الاجتهاد التى بقدر ما ثارت بقوة فى عصر السيوطى إنكارا عليه ، بقدر ما تثور فى عصرنا أيضا حيث يمثل الاجتهاد الأداة الأساسية لمواجهات مشكلات المسلمين المعاصرة ([4]) .
وحاصل ذلك أنهم اشترطوا فى المجتهد أن يعرف من الكتاب والسنة ما يتعلق بالأحكام ، وأن يعرف : الإجماع ، والقياس ، وكيفية النظر ، والعربية ، والناسخ والمنسوخ ، وحال الرواة ، ثم بينوا المراد بمعرفة ذلك ، فبالنسبة للقرآن الكريم لم يشترطوا حفظ جميع القرآن ولا معرفة جميعه ، قالوا : بل يكفى أن يكون عارفا بمواقعه حتى يرجع إليه فى وقت الحاجة . وكذلك قالوا فى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل صرح إمام الحرمين وغيره بأنه يكتفى فيه بالتقليد وتيسير الوصول إلى دركه بمراجعة الكتب المرتبة المهذبة . أما الإجماع فليس المراد حفظ تلك المسائل المجمع عليها بل طريقه أن لا يفتى إلا بشىء يوافق قول بعض المجتهدين أو يغلب على ظنه أنها واقعة متولدة فى العصر لم يكن لأهل الإجماع فيها خوض . وأما حال الرواة فيكتفى بتعديل أئمة علم الرجال كالبخارى ونحوه . قالوا : وأهم علوم المجتهد علم أصول الفقه . أما الفقه فمنهم من قال إنه لا يشترط العلم به أصلا للمجتهد لأنه ناتج الاجتهاد . ومنهم – كإمام الحرمين – من قال إنه لا بد منه فهو المستند لكن لا يشترط أن تكون جميع الأحكام على ذهنه فى حالة واحدة ولكن إذا تمكن من دركه فهو كاف . ويرى الإمام الغزالى - بعد أن خَفَّفَ من شروط الاجتهاد - أن اجتماع كل هذا إنما يشترط فى حق المجتهد المطلق الذى يفتى فى جميع المسائل ، وليس الاجتهاد منصب لا يتجزأ ، بل يجوز أن يقال للعالم بمنصب الاجتهاد أن يجتهد فى بعض الأحكام دون بعض … وليس من شرط المفتى أن يجيب عن كل مسألة . ويقول الإمام الرازى : ((واعلم أن الإنسان كلما كان أكمل فى هذه العلوم التى لا بد منها فى الاجتهاد كان منصبه فى الاجتهاد أعلى وأتم ، وضبط القدر الذى لا بد منه على التعيين كالأمر المتعذر))([5]) .
والحاصل مما ذكروه : أن الشرط الحقيقى للمجتهد فقه النفس – وهو غير كسبى – والعلم الواسع بطرق الاستدلال ، أما ما عدا ذلك من العلم بالكتاب والسنة والفقه والعربية فيكفيه الإلمام بذلك ، والقدرة على فهم النصوص وكلام العلماء ، والقدرة على الكشف عن الآيات والأحاديث والمسائل فى مظانها من المصادر والمراجع المختلفة ، بحيث إذا احتاج إلى النظر فى مسألة سهل عليه الوقوف على ما ورد فيها من الكتاب والسنة وسهل عليه الوقوف على كلام العلماء حولها ، واستعمل فى كل ذلك فقه نفسه وقدرته على الاستنباط للوصول للحكم الشرعى .
وفى ذلك يقول أحد العلماء المتأخرين وهو الشيخ الجاوى (ت بعد سنة 1306 هـ) : ((يكفى معرفته لجمل من كل علم منها ، وهو أمر سهل فى هذا الزمان ، فإن العلوم قد دونت وجمعت))([6]) .
وفى اعتقادى أن كل من حصل على العالمية الأزهرية القديمة فقد حصل آلات الاجتهاد جميعا ، فقد كانوا للحصول عليها يمتحنون فى خمسة عشر علما تجمع علوم المقاصد والآلات جميعا ، ويمتحنون فى كل علم على أعلى درجات التخصص فيه ، فكأنه يحصل على درجة الدكتوراه الحالية فى كل علم على حدة ، فماذا كان ينقصهم للاجتهاد من الناحية العلمية ، لا شىء إلا الاشتغال به ، وإخراجه من حيز القوة إلى الفعل ، وهذا ما تراه اتصف به حقا طبقة العلماء فى القرن الماضى ممن تعلموا بهذه الطريقة العميقة ، وظهر فى مصنفات من صنف منهم كالشيخ بخيت المطيعى ، والشيخ الدجوى ، والشيخ سلامة العزامى ، والشيخ محمد حسنين مخلوف العدوى المالكى ، وابنه مفتى الديار حسنين محمد حسنين مخلوف الحنفى ، ومولانا شيخ الإسلام عبد الله بن الصديق الغمارى ، وغيرهم من هذه الطبقة التى تعلمت على شيوخ آخر طبقات المؤلفين على طريقة الحواشى ، ثم عاصرت الصدمة الحضارية ، وتتابع النوازل علينا ، ثم ما يعرف بالنهضة الحديثة ، فشاركت هذه الطبقة بقوة واجتهاد وعلم ، ولهذا أعدها أكثر طبقات الأزهريين تمثيلا للمدرسة الأزهرية الأصيلة([7]) .
ونختم الكلام فى هذه المسألة برأى الإمامين الكبيرين أبى شامة وشيخ الإسلام تقى الدين السبكى .
يقول الإمام أبو شامة – فيما نقله عنه التقى السبكى فى معنى قول الإمام المطلبى - : ((إن الله يسر وله الحمد الوقوف على ما ثبت من الأحاديث وتجنب ما ضعف منها مما جمعه الحفاظ كالصحيحين والمستدرك عليهما وابن خزيمة والترمذى وأبى داود والنسائى وابن ماجه وابن حبان والدارقطنى والبيهقى ، فلا عذر فى ترك الاشتغال بها ، وكذلك المسائل الفقهية المبنية على اللغة كل ذلك إلى علماء اللسان ، فالتوصل إلى الاجتهاد ميسور وأسهل منه قبل اليوم ، لولا قلة همم المتأخرين وعدم المعتبرين ، ومن أكبر أسبابه تعصبهم وتقيدهم برفق الوقوف (كذا فى المطبوع) ...)) .
قال التقى السبكى : ((وتضييع كثير من زمانهم بالتوسع فى علوم غير علوم الشريعة ، أو فى علوم الشريعة بالجدل والتعمق فى التفريعات الدقيقة ، فيشغلهم ذلك عن فهم نفس الشريعة ، والاطلاع على قواعدها الكلية وأسرارها التى هى أكثر نفعا ، وبذلك وصل المتقدمون إلى الاجتهاد ، وبتركه حرمه المتأخرون))([8]) .
وهذا نص واضح وقاطع من إمامين من أكابر العلماء ليس فقط بفتح باب الاجتهاد ، وإنما بتأكيد أنه أكثر انفتاحا من العهود السابقة عليهم ، وذلك بتيسر أسبابه ، كما يضع النص أيدينا على أهم المشكلات التى تمنع من الوصول إلى الاجتهاد ، ويبين لنا الطريق الصحيح للوصول إليه .
كل هذا يلقى بكثير من ظلال الشك على ما شاع بيننا من إغلاق العلماء باب الاجتهاد ، واتهام علمائنا المتقدمين بالجمود والتقليد ، وهى قضية من قضايا كثيرة شائعة فى أوساطنا الفكرية تحتاج إلى كثير من المراجعة والتحرير وبيان الحق فيها ، حيث استغرقت بسبب شيوعها على وجه الخطأ جهدَ كثير من المعاصرين ، ولو عُرف حقيقة كلام العلماء فيها لوفرنا كثيرا من الجهد لمناقشة قضايانا الحقيقية التى هى بحاجة لمناقشة ، وعلى أقل تقدير كان الجهد المبذول فى مناقشة هذه القضية أولى أن يبذل فى تمهيد أسباب الاجتهاد بما يناسب العصر الحالى .
فالتشديد - غير المبرر - فى أسباب الاجتهاد أدى إلى إحباط عام مما ترتب عليه فوضى الاجتهاد الذى نعانى منه الآن ، وبين إغلاق باب الاجتهاد تماما أو فتحه على مصرعيه دون ضابط ، هناك الموقف الحقيقى - الذى عرضناه - لعلمائنا المتقدمين وكثير من محققى المتأخرين والمعاصرين ، وقد قرروه على مستوى التنظير ، ومارسوه على مستوى التطبيق([9]) ، فلا بد من التمسك به .
وما الإمام السيوطى إلا نموذج لذلك .
كل ذلك يلقى بعبء المسئولية على العلماء المعاصرين ، فإذا كانت أسباب الاجتهاد قد يسرها السابقون بما قدموه من إنتاج علمى وأدوات وآلات الوصول إلى الاجتهاد ، والتى قد تيسرت أكثر وأكثر بما استحدث من طرق البحث عن المعلومات من فهارس وكشافات وحاسب آلى … إلخ ، ولم يبق للعالم إلا إتقان مناهج الاستنباط ، وإتقان استخدام كل أدوات الاجتهاد ، والتدرب على الاجتهاد .يقول الإمام الغزالى عند مناقشة هل يشترط معرفة الفقه للمجتهد : ((إنما يحصل منصب الاجتهاد فى زماننا (زمانه ، وهو حاصل فى زماننا أيضا) بممارسته (يعنى ممارسة الفقه) ، فهو طريق تحصيل الدربة فى هذا الزمان ، ولم يكن الطريق فى زمان الصحابة ذلك ، ويمكن الآن سلوك طريق الصحابة أيضا))([10]) .
([1]) لنا دراسة موسعة عن الطرق الأصولية والمدارس المندرجة تحتها وأهم مميزاتها فى مقدمتنا لتحقيق نهاية السول للإسنوى (أعان الله على طبعه) ، كما تناول الحديث عن تلك المدارس العديدُ ممن كتب فى أصول الفقه .
وحاصل ذلك أن هناك ثلاث طرق رئيسية فى علم أصول الفقه : طريقة المتكلمين أو الشافعية ، وطريقة الحنفية ، وطريقة الجمع بينهما ، هذه الطرق جميعا بمدارسها المتفرعة منها خدمها أعلام العلماء ، وتمثل بحق الثقل الأصولى على امتداد القرون ، وليس فيها – فيما اطلعنا عليه من كتبها – من أغلق باب الاجتهاد ، أو تعسف فى شروطه تضييقا له .
أما طريقة المتكلمين أو الشافعية – وهى أقوى الطرق الأصولية وأوفاها نظرا - فالمدارس السائدة فيها هى : مدرسة الفخر الرازى فى كتابه المحصول وفروعه ، ومدرسة الآمدى فى كتابه الإحكام وفروعه ، ومدرسة التاج السبكى فى كتابه جمع الجوامع وفروعه . وهذه المدارس الثلاثة هى أشهر وأوثق مدارس المتكلمين الأصولية . وترجع هذه المدارس إلى أصول مهمة تعتبر أمهات علم الأصول قبل استقرار مدارسه ، وعلى رأس هذه الأمهات : البرهان لإمام الحرمين ، المستصفى للغزالى ، المعتمد ، شرح العمد كلاهما لأبى الحسين البصرى . وعلى هذه الأربعة تحديدا بنيت مدرستا الفخر الرازى ، والآمدى حيث لخصا هذه الأربعة فى كتابيهما المحصول ، والإحكام .
وسنجد أن المالكية والحنابلة قد انضموا إلى أحد هذه المدارس فى الأغلب ، مع بيان أصول مذهبهم فيما خالف فيه الشافعية ، فسنجد مثلا أن القرافى المالكى من مدرسة المحصول ، وابن الحاجب المالكى من مدرسة الآمدى ، وابن رشيق المالكى (ت 632هـ) من مدرسة الغزالى التى هى أحد أصول مدرسة الرازى . أما الحنابلة فإنهم بنوا غالبا على مدرسة المستصفى – الذى هو أحد الأصول الأربعة لمدرسة المحصول – حيث إن أشهر كتبهم الأصولية هو الروضة لابن قدامة وهو مختصر للمستصفى ، وحول الروضة بنى الحنابلة صرحهم الأصولى .
أما الحنفية فلهم طريقة خاصة بهم فى أصول الفقه ، ويمثل كتاب أصول السرخسى (ت 490 هـ) أحد أهم أمهات طريقة الحنفية ، أما أهم مدارس طريقة الحنفية فمدرستان : مدرسة البزدوى ، ومدرسة المنار . أما مدرسة البزدوى فدارت حول كتاب أصول الإمام البزدوى (ت 482 هـ) وهناك حوالى (15) عملا دارت حوله ذكرها فى كشف الظنون (1/112 – 113) . أما المنار لأبى البركات النسفى (ت 710 هـ) فيعد من أهم ما يعبر عن طريقة الحنفية ويجمع شتات أصولهم ، ولهذا اعتنى به علماء الحنفية عناية بالغة ، وصار له أتباع ، بما يمكن أن يعد مدرسة خاصة داخل طريقة الحنفية تناظر مدارس المتكلمين . انظر بخصوص المنار وما دار حوله من أعمال أصولية والتى تجاوز عددها خمسين عملا : كشف الظنون (2/1824 – 1827) .
أما طريقة الجمع بين طريقتى الشافعية والحنفية فيمثلها عدة أعمال أصولية مهمة على رأسها : التحرير للكمال ابن الهمام الحنفى – والتنقيح لصدر الشريعة – ومسلم الثبوت لمحب الله البهارى .
لمزيد من المعلومات عن علم أصول الفقه وأهم المؤلفات فيه انظر : مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده (2/163-172) ، وأبجد العلوم للقنوجى (2/95- 107) .
هذا تعريف مختصر بهذه الطرق الأصولية ومدارسها ، وهو كالتمهيد لما قلناه من أننا ((على يقين من أن أحدا من علماء المدارس الأصولية الكبرى لم يصرح بإغلاق باب الاجتهاد ...)) إلخ ، فلم نلق القول جزافا ، ولا ادعينا عليهم أمرا ، وسيأتى توثيق المسألة من مصادر كل مدرسة .
([2]) انظر : المستصفى (2/350- 354) .
([3]) انظر : مسلم الثبوت للبهارى مع شرحه فواتح الرحموت (2/362-363) والتحرير للكمال ابن الهمام (ص 523) ، تيسير التحرير لأمير بادشاه (4/179 – 180) .
([4]) لنا بحث غير منشور بعنوان ((حول قضية الاجتهاد)) تناولنا فيه هذه القضية بالتفصيل حيث تكلمنا عن أنه لا بديل عن الاجتهاد ، وأن الاجتهاد تكليف وضرورة ، وأنه روح عامة ، وتحدثنا عن قيمة الاجتهاد وتعريفه ومجاله ومناطه ومسئولية المجتهدين ومراتبهم ، وبيان أنه لا يخلو عصر من مجتهد ، وفقه الواقع ، ووضحنا موقف العلماء من شروط الاجتهاد ، وتيسر الوصول إليه ، وأهمية التدرب على الاجتهاد ، ووقفنا بوجه خاص على إشكالات الاجتهاد الفقهى ، وإجراءاته ، وعلى الاجتهاد فى العصر الحديث إلى غير ذلك من القضايا التى اهتم بها البحث . وقد حرصنا فى كل هذا على بيان الموقف الأصيل لعلمائنا المتقدمين ، وإبراز الوجه المشرق لهم ، ودفع تهمة الجمود والتقصير عنهم ، وأننا انشغلنا بمهاجمتهم – وليس ذلك بواجب علينا – عما هو واجب علينا من تحصيل أدوات الاجتهاد وممارسته .
([5]) انظر بخصوص قضية الاجتهاد وما أكدناه سابقا من عدم مناداة أحد من أتباع هذه المدارس بإغلاق بابه ، بل نادوا بتيسير أسبابه وشروطه :
1- أمهات علم الأصول : البرهان لإمام الحرمين (ت 478 هـ) ، (2/869-871) . الورقات لإمام الحرمين ، (ص 37 - 38) ، ومع شرح المحلى (ت 864 هـ) بحاشية الدمياطى (ت 1117 هـ) ، (ص 22-23) . وبحاشية الجاوى المسماة النفحات على شرح الورقات (ص 163- 167) . ومع الشرح الكبير لابن قاسم العبادى (ت 994 هـ) ، (2/524-544) ، وفيه عرض جيد لآراء العلماء حول شروط الاجتهاد . المستصفى للغزالى (ت 505 هـ) ، (2/350- 354) . شرح العمد لأبى الحسين البصرى المعتزلى (ت436 هـ) ، (1/372-378 ، 2/235 وما بعدها) . المعتمد لأبى الحسين أيضا (2/357 وما بعدها) وفيهما كلام نفيس عن الاجتهاد وطرقه وأساليبه . اللمع لأبى إسحاق الشيرازى (ت 478 هـ) ، (ص71-72) . الوصول إلى علم الأصول لابن برهان (ت 518 هـ) ، (2/337-382) ، ولم يتعرض صراحة لشروط الاجتهاد لكن فى المسائل التى تناولها عن الاجتهاد ما يوضح رأيه فى ذلك .
وممن يندرج تحت هذا القسم : لباب المحصول فى علم الأصول (2/711-714) ، وهو لابن رشيق المالكى (ت632 هـ) اختصر فيه المستصفى للغزالى .
2- مدرسة المحصول انظر : المحصول للإمام الرازى (ت 606 هـ) ، (ج2/ ق3/ ص6 ، 30 – 37). الحاصل للتاج الأرموى (ت 653 هـ) ، (2/1000) . التحصيل للسراج الأرموى (ت682 هـ) ، (2/281 ، 286-288) . شرح تنقيح الفصول فى اختصار المحصول للإمام القرافى (ت 684 هـ) ، (ص429 ، 437-438) . المنهاج للبيضاوى (ت 685 هـ) ، (ص 118-119) . وشروحه : شرح الجزرى (ت 711 هـ) ، (2/289-290) . شرح المنهاج للشمس الأصفهانى (ت 749 هـ) ، (2/821 ، 831-835) . الإبهاج للتاج السبكى (ت 771 هـ) ، (7/2897- 2905) . نهاية السول شرح منهاج الأصول للإسنوى (ت 772 هـ) ، (2/1035-1038) .
3- مدرسة الآمدى ، انظر : الإحكام للآمدى (ت 631 هـ) ، (4/141-143) . منتهى السول للآمدى (3/57) . المختصر لابن الحاجب (ت 646 هـ) ، والمسمى منتهى السول والأمل فى علمى الأصول والجدل (ص 156) ، ويعرف أيضا بمنتهى الوصول كما أثبت على طرة المطبوع . مختصر المنتهى لابن الحاجب مع شرح العضد (ت756 هـ) ، (2/289-309) . بيان المختصر للشمس الأصفهانى (ت 749 هـ) ، (2/805) . شرح مختصر المنتهى للرهونى (ت 773 هـ) والمسمى تحفة المسئول فى شرح مختصر منتهى السول (4/243) . وقد تعرض الآمدى باختصار لشروط المجتهد ، بينما أعرض عنها ابن الحاجب ، لكن ما تناولوه هو وشراحه من مسائل الاجتهاد يكفى لبيان الصورة التى أثبتناها من عدم إغلاق باب الاجتهاد وتيسره وجواز تجزئته .
4- مدرسة جمع الجوامع : جمع الجوامع لابن السبكى (ت 771 هـ) ، مع شرح المحلى (ت 864 هـ) بحاشية البنانى (2/382 – 386) . تشنيف المسامع بجمع الجوامع للزركشى (ت 794 هـ) ، (4/563-575) . غاية الوصول شرح لب الوصول لشيخ الإسلام زكريا الأنصارى ، وهو مختصر جمع الجوامع (ص 147 – 148) . التعرف لابن حجر الهيتمى وهو مختصر جمع الجوامع ، مع شرحه لابن علان ، (ص 98- 100) .
5- مدرسة الفقهاء أو الحنفية : المنار لأبى البركات النسفى (ت 710 هـ) مع شرح ابن نجيم (ت 970 هـ) المسمى فتح الغفار (3/34- 35) . ومع شرح علاء الدين الحصنى المسمى إفاضة الأنوار وحاشية ابن عابدين المسماة نسمات الأسحار (ص 225 – 226) . مختصر المنار لزين الدين الحلبى (ت 808 هـ) ، (ص 21) .
6- مدرسة الجمع بين طريقتى الشافعية المتكلمين والحنفية : التلويح على التوضيح شرح التنقيح للسعد التفتازانى (2/234 – 236) ، وتغيير التنقيح لابن كمال باشا (ت 940 هـ) ، (ص226) . مسلم الثبوت لمحب الله بن عبد الشكور البهارى (ت 1119 هـ) ، مع شرحه فواتح الرحموت لعبد العلى محمد بن نظام الدين الأنصارى (ت 1225 هـ) ، (2/362 -366) . التحرير للكمال ابن الهمام (ت 861 هـ) ، (ص 523-524) ، وشرحه تيسير التحرير لمحمد أمين المعروف بأمير بادشاه الحسينى البخارى (ت نحو 972 هـ) ، (4/178- 183) .
7- المؤلفات الأصولية التى لا تندرج تحت مدرسة بعينها فيما نعلم : أدب المفتى والمستفتى لابن الصلاح (ت 643 هـ) ، (ص 86- 91) . قواعد الأصول لصفى الدين الحنبلى (ت 739 هـ) ، (ص 136-137) . البحر المحيط للزركشى (ت 794 هـ) ، (8/229-238). إرشاد الفحول للشوكانى (ت 1250 هـ) ، وهو كالمختصر للبحر المحيط للزركشى (2/297 - 303) وفيه تحرير جيد لشروط الاجتهاد بحسب رأى الشوكانى ، ومناقشة لآراء العلماء .
فهذه استقراء واسع لكتب الأصوليين من كافة مدارسهم لم يصرح فيهم أحد بما يشنع به على علمائنا من أنهم أغلقوا باب الاجتهاد ، وإنما نظموه وضبطوه ، وبينوا شروطه ، دون إفراط فيشددوا ، أو تفريط فيدعيه كل أحد ، حتى لا تصير الأمور فوضى .
([6]) حاشية النفحات على شرح الورقات للشيخ أحمد بن عبد اللطيف الجاوى الشافعى (ت بعد 1306 هـ) ، (ص 165) .
([7]) تحتاج هذه الفترة الغنية باجتهادات العلماء ، إلى دراسة وافية تركز على الجانب الاجتهادى فى الحياة العلمية والفكرية لعلماء هذه الفترة والتى تمتد من أوائل القرن الرابع عشر الهجرى وعلى مدى أكثر من خمسين عاما .
([8]) انظر ((معنى قول الإمام المطلبى إذا صح الحديث فهو مذهبى)) ، لشيخ الإسلام تقى الدين السبكى (ت 756 هـ) ، ص 108 – 109 .
([9]) ممارسة الاجتهاد لم يخل منها عصر ، وأقل نظرة على فتاوى العلماء على مر العصور تظهر ذلك ، وإليك نماذج من أصحابنا الشافعية بدءا من فتاوى القفال المرزوى (ت 417 هـ) وهى تحت الطبع بتحقيقنا ، ومرورا بابن الصلاح (ت 643 هـ) ، والعز ابن عبد السلام (ت 660 هـ) ، والنووى (ت 676 هـ) ، والتقى السبكى (ت 756 هـ) ، ومن بعدهم الشمس الرملى (ت 1004 هـ) ، وابن حجر الهيتمى (ت 974 هـ) . فضلا عن فتاوى علماء المالكية والذى يمثل المعيار المعرب فى فتاوى علماء المغرب أقوى نموذج لذلك ، وانتهاء بفتاوى الشيخ عليش (ت 1299 هـ) ، وفتاوى علماء الحنفية نحو فتاوى قاضيخان (ت 592 هـ) ، والفتاوى الهندية ، وانتهاء بفتاوى ابن عابدين (ت 1252 هـ) ، وفتاوى جدنا لوالدتنا الشيخ محمد المهدى شيخ الجامع الأزهر (ت 1315 هـ) ، المجموعة فى أربعة مجلدات بعنوان الفتاوى المهدية . ومن بعدهم من كبار متأخرى العلماء كالشيخ بخيت المطيعى (ت 1354 هـ) ، ومحمد حسنين العدوى المالكى (ت 1355 هـ) ، وسلامة العزامى (ت 1376 هـ) ، ويوسف الدجوى (ت 1365هـ) ، والحافظ أحمد الغمارى (ت 1380هـ) ، وانتهاء بشيخنا شيخ الإسلام عبد الله الغمارى (ت 1413 هـ) . فهذه نماذج بارزة بداية من عصر استقرار المذاهب الكبرى فى القرن الخامس الهجرى وعلى مدى عشرة قرون إلى أوائل القرن الخامس عشر ، ومن لم نذكرهم أكثر مما ذكرناهم ، وإنما اقتصرنا على من هم من رموز المدرسة المحافظة التقليدية (إن صح التعبير) والذين حملوا لواء التجديد والإصلاح الحقيقى ، أما رموز ما يسمى بالمدرسة الإصلاحية فمعروفون اشتهر بين الناس دورهم فى الإصلاح والتجديد ، ونحيل من أراد التوسع على حسن المحاضرة للسيوطى حيث عقد فصولا للمجتهدين فى مصر فى شتى العلوم منذ دخلها الإسلام وإلى عصر السيوطى فى القرن العاشر ، فذكر عشرات من المجتهدين ، هذا فى بلد واحد فما بالك بسائر ديار الإسلام . فإذا كان الاجتهاد – كما صورناه – لم ينقطع فما الذى حدث لنا ، فليس عدم المجتهدين إذن سبب تخلفنا وضعفنا وهواننا ، بل عدم السماع للعلماء فيما فيه صلاحنا ، والكسل والدعة والتهاون والفساد والركون وترك أسباب القوة والتقدم … هو سبب أننا فى ذيل الأمم اليوم .
([10]) المستصفى (2/353) . ووافقه العلامة السعد التفتازانى فى التلويح (2/236) .
(هذا البحث مقتطف من مقدمة جامع الأحاديث)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق