تقلد الإمام المناوى – على ما يذكر التاج المناوى والمحبى – ((النيابة الشافعية ببعض المجالس فسلك فيها الطريقة الحميدة ، وكان لا يتناول منها شيئا ثم رفع نفسه عنها ، وانقطع عن مخالطة الناس ، وانعزل فى منزله ، وأقبل على التأليف ، فصنف فى غالب العلوم ، ثم ولى تدريس المدرسة الصالحية فحسده أهل عصره ، وكانوا لا يعرفون مزية علمه لانزوائه عنهم ، ولما حضر الدرس فيها ورد عليه من كل مذهب فضلاؤه منتقدين عليه . وشرع فى إقراء مختصر المزنى ونصب الجدل فى المذاهب ، وأتى فى تقريره بما لم يسمع من غيره فأذعنوا لفضله ، وصار أجلاء العلماء يبادرون لحضوره ، وأخذ عنه منهم خلق كثير منهم الشيخ سليمان البابلى ، والسيد إبراهيم الطاشكندى ، والشيخ على الأجهورى ، والولى المعتقد أحمد الكلبى ، وولده الشيخ محمد ، وغيرهم .
وكان مع ذلك لم يخل من طاعن وحاسد حتى دُسّ عليه السم فتوالى عليه بسبب ذلك نقص فى أطرافه وبدنه من كثرة التداوى ولما عجز صار ولده تاج الدين محمد يستملى منه التآليف ويسطرها وتآليفه كثيرة)) .فانظر إلى أى مدى يصل الحسد بالمرء ، وإذا علمت أن ضعف أطرافه وبدنه إنما هو من أثر السم والتداوى ، تعلم ما فى عبارة الزركلى من المجافاة للحقيقة حيث يقول ((انزوى للبحث والتصنيف ، وكان قليل الطعام كثير السهر ، فمرض وضعفت أطرافه)) ، مع كون الزركلى رجع فى ترجمته لخلاصة الأثر ، ولكن دفعه التعصب على العلماء الذين ليسوا على طريقته المتمسلفة إلى صياغة هذه العبارة بذلك الدهاء ، ليوقع فى قلب القارئ أن العلماء الصوفية قوم يخرجون على الشرع ، ويتعبدون ويتقشفون بما هو خارج عن السنة فهذا هو المناوى مع علمه قد خالف السنة فأكثر من الجوع والسهر حتى خارت قواه ، وليس الأمر كذلك بل الرجل شهيد العلم ، سمه حاسدوه حتى ينالوا وظيفته فى التدريس ، أو خشية أن يفضحهم بسعة علمه فيذهب هو بوظائفهم فيما توهموه ، أين هذه الصورة مما أراد الزركلى تصويره فى عبارته المختصرة ، فلله الأمر([1]) .
([1]) وسيأتى شىء من ذلك فى ترجمة النبهانى ، وكتابه الأعلام مشحون بأمثال ذلك كقوله فى التراجم : ((صوفى)) أو ((أشعرى)) ليوهم أنه مخالف ، وأن سائر العلماء ليسوا كذلك مع أن الغالبية العظمى من كبار العلماء كذلك ، وكالتقطير فى التعبير عن أمثال هؤلاء العلماء ، فإذا ظفر بمن على مشربه كال له بالمكيال الأوفى ، ورفع من شأنه جدا ، هذا مع عظيم نفع كتاب الأعلام ، وسعة اطلاع مؤلفه رحمه الله ، ولكن الإنصاف عزيز ، وإنما أردنا التنبيه على ذلك لانتشار الكتاب للغاية .
وكان مع ذلك لم يخل من طاعن وحاسد حتى دُسّ عليه السم فتوالى عليه بسبب ذلك نقص فى أطرافه وبدنه من كثرة التداوى ولما عجز صار ولده تاج الدين محمد يستملى منه التآليف ويسطرها وتآليفه كثيرة)) .فانظر إلى أى مدى يصل الحسد بالمرء ، وإذا علمت أن ضعف أطرافه وبدنه إنما هو من أثر السم والتداوى ، تعلم ما فى عبارة الزركلى من المجافاة للحقيقة حيث يقول ((انزوى للبحث والتصنيف ، وكان قليل الطعام كثير السهر ، فمرض وضعفت أطرافه)) ، مع كون الزركلى رجع فى ترجمته لخلاصة الأثر ، ولكن دفعه التعصب على العلماء الذين ليسوا على طريقته المتمسلفة إلى صياغة هذه العبارة بذلك الدهاء ، ليوقع فى قلب القارئ أن العلماء الصوفية قوم يخرجون على الشرع ، ويتعبدون ويتقشفون بما هو خارج عن السنة فهذا هو المناوى مع علمه قد خالف السنة فأكثر من الجوع والسهر حتى خارت قواه ، وليس الأمر كذلك بل الرجل شهيد العلم ، سمه حاسدوه حتى ينالوا وظيفته فى التدريس ، أو خشية أن يفضحهم بسعة علمه فيذهب هو بوظائفهم فيما توهموه ، أين هذه الصورة مما أراد الزركلى تصويره فى عبارته المختصرة ، فلله الأمر([1]) .
([1]) وسيأتى شىء من ذلك فى ترجمة النبهانى ، وكتابه الأعلام مشحون بأمثال ذلك كقوله فى التراجم : ((صوفى)) أو ((أشعرى)) ليوهم أنه مخالف ، وأن سائر العلماء ليسوا كذلك مع أن الغالبية العظمى من كبار العلماء كذلك ، وكالتقطير فى التعبير عن أمثال هؤلاء العلماء ، فإذا ظفر بمن على مشربه كال له بالمكيال الأوفى ، ورفع من شأنه جدا ، هذا مع عظيم نفع كتاب الأعلام ، وسعة اطلاع مؤلفه رحمه الله ، ولكن الإنصاف عزيز ، وإنما أردنا التنبيه على ذلك لانتشار الكتاب للغاية .
(هذا المقال مقتطف من مقدمة جامع الأحاديث)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق