يقول العلامة الحافظ محمد حبيب الله بن مايابى الشنقيطى عن مؤلفات الشيخ النبهانى : ((أما مصنفاته رحمه الله فهى كثيرة جدا ، وجلها أو كلها فى الحديث ومتعلقاته : كالسيرة النبوية والمديح ، وعلم الأسانيد ، وتراجم أعيان علماء الأمة ، والصلاة على النبى عليه الصلاة والسلام ، وتدوين المدائح التى مدحه بها أو مدحه بها غيره من الأقدمين والمتأخرين ، من سائر أهل المذاهب الأربعة وأكابر المحدثين)) ([1]).
ويذكر الزركلى عن عبد الحفيظ الفاسى (ت 1383 هـ)صاحب معجم الشيوخ قوله : ((له كتب كثيرة خلط فيها الصالح بالطالح ، وحمل على أعلام الإسلام ، كابن تيمية وابن قيم الجوزية ، حملات شعواء ...)) ، وهو كلام مرسل على عواهنه ، وفيه تحامل ليس باليسير ، وليس الرجل كذلك ، ويراد بالكلام أن تحملك الحمية لهؤلاء الأئمة أن تنكر على النبهانى ولا تنتفع بكتبه وعلمه ، ومصنفاته بين أيدينا متداولة سهلة المنال ، ليس فيها ما ذُكر من الحملات الشعواء ، والرجل أعف الناس لسانا وقلما ، ولا يناقش شيئا إلا بدليله ، وفى هدوء تام ، وبإنصاف يحمد له ، وقد عارض غيرهم من العلماء كالحكيم الترمذى مثلا عارضه كثيرا فى الشرف المؤبد ، فلِمَ لم يذكر صاحب معجم الشيوخ ذلك ، أم أن من ذكرهم - إن صح نقد النبهانى لهم – مقدسات فكرية لا يجوز مسهم بسوء .
على أن الشيخ النبهانى لم ينتقد الإمامين شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم فى ذاتهما بقدر انتقاده لمن استتروا خلفهما ، وأعادوا إخراجهما وتصويرهما بصورة مخالفة لحقيقتهما كما يعلم من اطلع على مصنفاتهما بنفسه ، وهذا نوع من تزوير التاريخ والعلم الذى نعيش فيه ، فمعارضة النبهانى إنما هى لهؤلاء المزورين ، أو لتلك الصورة المزورة . فهناك صورتان للإمامين شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ، الصورة الحقيقية التى تظهر بالاطلاع الواسع على مصنفاتهما ككل دون اجتزاء أو ابتسار أو قراءة مغلوطة ، والصورة الثانية صورة مبتسرة مغلوطة أعيد فيها تصويرهما على هوى أصحاب تلك الدعوة ، والذين لم يقتصروا على شيخ الإسلام ابن تيمية وابن قيم فحسب ، بل يحاولون التزوير على السلف ككل ، ثم التستر بهم .
ومع هذا فلم يتجاوز النبهانى فى الرد على من عارضهم أن أعاد عليهم ما رموا أهل العلم به ، فعلام الإنكار عليه ، فالرجل ما زاد أن حصحص الحق ، وبين أى الفريقين أحق بذلك . والعجب أن هؤلاء يقبلون ممن عارضهم النبهانى أن يقولوا الذى أنكروه على النبهانى وأضعافه فى حق أئمة الأمة وأعلامها ، فإذا ارتد عليهم الذى رموه بأيديهم أكبروا ذلك .
أليس من حق النبهانى وهو من هو فى مكانته العلمية أن يجتهد ويبدى رأيه وعجبا للقوم ملئوا الدنيا ضجيجا بالاجتهاد ، فإن اجتهد المجتهد بحق فخالفهم ، شنعوا عليه وجعلوه مجرد ((شاعر أديب من رجال القضاء)) تجرأ على أعلام الإسلام مثلما فعل الزركلى .
ولم يفعل النبهانى ذلك بوضوح إلا فى كتاب واحد ، أما سائر مصنفاته فقد خلت من هذا ، والكتاب هو ((شواهد الحق فى الاستغاثة بسيد الخلق)) ، وقد سبق قريبا أسماء من قرظه من كبار علماء الوقت ممن لم يأبه لهم الزركلى ولم ينصفهم فى تراجمهم من كتابه ، مع أن اثنين منهم ممن تولى مشيخة الأزهر ، واثنين منهم ممن تولى إفتاء الديار المصرية ، وفيهم مشايخ المذاهب الأربعة ، وفيهم اثنان من كبار الحفاظ (الشنقيطى والكتانى) فى هذا القرن ، وغيرهم من العلماء ، ومن هؤلاء الشامى والمغربى والمصرى ممن تعلموا فى الأزهر الشريف أو فى معاهد العلم ببلادهم وكانوا جميعا مع اختلاف مذاهبهم على كلمة واحدة فى رد تلك الدعوة ، ونصوصهم صريحة فى الثناء على الكتاب ، وأن ما ذكره المؤلف هو الحق الموافق للكتاب والسنة ، وعمل الصحابة والعلماء جيلا بعد جيل .
هكذا كان العلماء ينظرون إلى المسائل منذ نحو مائة سنة ، وهكذا كانوا على كلمة واحدة من رد بدع هذه الدعاوى المحدثة ، وما زال موقف علمائنا كما هو ، على ما رأينا عليه مشايخنا كافة ، ولكن الأمر كما قال صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الشيخان وغيرهما عن ابن عمر : ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يُبْقِ عالما اتخذ الناس رءوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)) ، وسيأتى تخريجه فى محله .
والحال كما وصف صلى الله عليه وسلم ، ولو رجع المرء إلى تاريخ الحركة العلمية لهذه الفترة لأدرك بوضوح صدق ما أقوله ، ولاستطاع أن يميز بسهولة بين بقية العلماء الذين ما زالوا أحياء فيدركهم وينتفع بهم قبل أن يقبضهم الله ، وبين الرؤوس الجهال الذين لم يتلقوا العلم فى معاهده الأصيلة وأطلوا علينا من على المنابر والفضائيات .
ويروى عن ابن مسعود مرفوعا وموقوفا - فيما سيأتى تخريجه -: ((تعلموا العلم قبل أن يرفع فإن أحدكم لا يدرى متى يُفْتَقر إلى ما عنده وعليكم بالعلم وإياكم والتنطع والتبدع والتعمق وعليكم بالعتيق)) ، وما أغلاها من نصيحة .
([1]) شواهد الحق فى الاستغاثة بسيد الخلق للشيخ يوسف بن إسماعيل النبهانى ص7 ،10 .
ويذكر الزركلى عن عبد الحفيظ الفاسى (ت 1383 هـ)صاحب معجم الشيوخ قوله : ((له كتب كثيرة خلط فيها الصالح بالطالح ، وحمل على أعلام الإسلام ، كابن تيمية وابن قيم الجوزية ، حملات شعواء ...)) ، وهو كلام مرسل على عواهنه ، وفيه تحامل ليس باليسير ، وليس الرجل كذلك ، ويراد بالكلام أن تحملك الحمية لهؤلاء الأئمة أن تنكر على النبهانى ولا تنتفع بكتبه وعلمه ، ومصنفاته بين أيدينا متداولة سهلة المنال ، ليس فيها ما ذُكر من الحملات الشعواء ، والرجل أعف الناس لسانا وقلما ، ولا يناقش شيئا إلا بدليله ، وفى هدوء تام ، وبإنصاف يحمد له ، وقد عارض غيرهم من العلماء كالحكيم الترمذى مثلا عارضه كثيرا فى الشرف المؤبد ، فلِمَ لم يذكر صاحب معجم الشيوخ ذلك ، أم أن من ذكرهم - إن صح نقد النبهانى لهم – مقدسات فكرية لا يجوز مسهم بسوء .
على أن الشيخ النبهانى لم ينتقد الإمامين شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم فى ذاتهما بقدر انتقاده لمن استتروا خلفهما ، وأعادوا إخراجهما وتصويرهما بصورة مخالفة لحقيقتهما كما يعلم من اطلع على مصنفاتهما بنفسه ، وهذا نوع من تزوير التاريخ والعلم الذى نعيش فيه ، فمعارضة النبهانى إنما هى لهؤلاء المزورين ، أو لتلك الصورة المزورة . فهناك صورتان للإمامين شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ، الصورة الحقيقية التى تظهر بالاطلاع الواسع على مصنفاتهما ككل دون اجتزاء أو ابتسار أو قراءة مغلوطة ، والصورة الثانية صورة مبتسرة مغلوطة أعيد فيها تصويرهما على هوى أصحاب تلك الدعوة ، والذين لم يقتصروا على شيخ الإسلام ابن تيمية وابن قيم فحسب ، بل يحاولون التزوير على السلف ككل ، ثم التستر بهم .
ومع هذا فلم يتجاوز النبهانى فى الرد على من عارضهم أن أعاد عليهم ما رموا أهل العلم به ، فعلام الإنكار عليه ، فالرجل ما زاد أن حصحص الحق ، وبين أى الفريقين أحق بذلك . والعجب أن هؤلاء يقبلون ممن عارضهم النبهانى أن يقولوا الذى أنكروه على النبهانى وأضعافه فى حق أئمة الأمة وأعلامها ، فإذا ارتد عليهم الذى رموه بأيديهم أكبروا ذلك .
أليس من حق النبهانى وهو من هو فى مكانته العلمية أن يجتهد ويبدى رأيه وعجبا للقوم ملئوا الدنيا ضجيجا بالاجتهاد ، فإن اجتهد المجتهد بحق فخالفهم ، شنعوا عليه وجعلوه مجرد ((شاعر أديب من رجال القضاء)) تجرأ على أعلام الإسلام مثلما فعل الزركلى .
ولم يفعل النبهانى ذلك بوضوح إلا فى كتاب واحد ، أما سائر مصنفاته فقد خلت من هذا ، والكتاب هو ((شواهد الحق فى الاستغاثة بسيد الخلق)) ، وقد سبق قريبا أسماء من قرظه من كبار علماء الوقت ممن لم يأبه لهم الزركلى ولم ينصفهم فى تراجمهم من كتابه ، مع أن اثنين منهم ممن تولى مشيخة الأزهر ، واثنين منهم ممن تولى إفتاء الديار المصرية ، وفيهم مشايخ المذاهب الأربعة ، وفيهم اثنان من كبار الحفاظ (الشنقيطى والكتانى) فى هذا القرن ، وغيرهم من العلماء ، ومن هؤلاء الشامى والمغربى والمصرى ممن تعلموا فى الأزهر الشريف أو فى معاهد العلم ببلادهم وكانوا جميعا مع اختلاف مذاهبهم على كلمة واحدة فى رد تلك الدعوة ، ونصوصهم صريحة فى الثناء على الكتاب ، وأن ما ذكره المؤلف هو الحق الموافق للكتاب والسنة ، وعمل الصحابة والعلماء جيلا بعد جيل .
هكذا كان العلماء ينظرون إلى المسائل منذ نحو مائة سنة ، وهكذا كانوا على كلمة واحدة من رد بدع هذه الدعاوى المحدثة ، وما زال موقف علمائنا كما هو ، على ما رأينا عليه مشايخنا كافة ، ولكن الأمر كما قال صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الشيخان وغيرهما عن ابن عمر : ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يُبْقِ عالما اتخذ الناس رءوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)) ، وسيأتى تخريجه فى محله .
والحال كما وصف صلى الله عليه وسلم ، ولو رجع المرء إلى تاريخ الحركة العلمية لهذه الفترة لأدرك بوضوح صدق ما أقوله ، ولاستطاع أن يميز بسهولة بين بقية العلماء الذين ما زالوا أحياء فيدركهم وينتفع بهم قبل أن يقبضهم الله ، وبين الرؤوس الجهال الذين لم يتلقوا العلم فى معاهده الأصيلة وأطلوا علينا من على المنابر والفضائيات .
ويروى عن ابن مسعود مرفوعا وموقوفا - فيما سيأتى تخريجه -: ((تعلموا العلم قبل أن يرفع فإن أحدكم لا يدرى متى يُفْتَقر إلى ما عنده وعليكم بالعلم وإياكم والتنطع والتبدع والتعمق وعليكم بالعتيق)) ، وما أغلاها من نصيحة .
([1]) شواهد الحق فى الاستغاثة بسيد الخلق للشيخ يوسف بن إسماعيل النبهانى ص7 ،10 .
(هذا المقال مقتطف من مقدمة جامع الأحاديث)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق