قال البيطار صاحب حلية البشر : ((هذا الإمام ، والشهم الأديب الهمام ، قد طلعت فضائل محاسنه طلوع النجوم الزواهر ، وسعدت مطالع شمائله بآدابه المعجبة البواهر ، فهو الألمعى المشهود له بقوة الإدراك ، واللوذعى المستوى مقامه على ذروة الأفلاك ، وله ذكاء أحد من السيف إذا تجرد من قرابه ، وفكر إذا أراد البحر أن يحكيه وقع فى اضطرابه ، ونثر يزرى بالعقد الثمين والدر المنثور ، وشعر يدل على كمال الإدراك وتمام الشعور ، فهو فارس ميدان اليراع والصفاح ، وصاحب الرماح الخطية والأقلام الفصاح ، فلعمرى لقد أصبح فى الفضل وحيدا ، ولم تجد عنه النباهة محيصاً ولا محيدا ، وناهيك بمحاسن قلدها ، ومناقب أثبتها وخلدها ، إذا تليت فى المجامع ، اهتزت لها الأعطاف وتشنفت المسامع . ومن جملة آثاره ، الدالة على علوه وفخاره ، تآليفه الشريفة))([1]).
وقد أجازه شيخه العلامة شيخ السادة الشافعية بالأزهر الشريف الشيخ إبراهيم السقا (ت 1298 هـ) بإجازة نثبتها بتمامها لاشتمالها على دلالات مهمة ، وتقدم لنا صورة للحياة العلمية فى الماضى القريب ، يقول الشيخ السقا رحمه الله : ((بسم الله الرحمن الرحيم لك الحمد على مرسل آلائك ومرفوعها ، ولك الشكر على مسلسل نعمائك وموضوعها ، بحسن الإنشاء وصحيح الخبر ، يا من تجيز من استجازك وافرَ الهبات ، وتجير من استجارك واعرَ العقبات ، فيغدو موقوفاً على مطالعة الأثر ، ما بين مؤتلف الفضل ومتفقه ، ومختلف العدل ومفترقه ، جيد الفكر ، سليم الفطر ، يجتنى بمنتج قياسه شريف الفوائد ، ويجتبى بمبهج اقتباسه شريف العوائد . ويحلى نفيس النفوس بعقود العقائد الغرر ، فإن صادفه مديد الإمداد ، وصادقه مزيد الإنجاد ، وصَفَا مشربُه الهنى ولا كدر ، ووجد درر الجواهر ويا نعم الوجادة ، بادر عند ذلك بالاستفادة والإفادة ، ولا أشر ولا بطر ، فبذل المعروف وبدل المنكر ، إذ ليس عنده إلا صحاح الجوهر ، معتنى وما اقتنى غيرها عندما عثر ، لا يزور ولا يدلس ، ويطهر ولا يدنس ، ولا يعانى الشرر ، فيامن مَنَّ على هذا المنقطع الغريب ، ومنحه منحة المتصل القريب ، امنحنى السلامة فى داره ونجنى من سقر ، ومنك موصول صلات صلواتك ومقطوعها ، وسلسل سلسبيل تسليماتك ومجموعها ، على سندنا وسيدنا محمد سيد نوع البشر ، وعلى آله وأصحابه ، وحملة شريعته وأحبابه ، ومن اقتفى أثرهم وعلى جهاد نفسه صبر .
أما بعد : فلما كان الإسناد مزية عالية ، وخصوصية لهذه الأمة غالية ، دون الأمم الخالية ، اعتنى بطلبه الأئمة النبلاء أصحاب النظر ، إذ الدعى غير المنسوب ، والقصى غير المحسوب ، وسليم البصيرة غير أعشى الفكر ، ولما كان منهم الإمام الفاضل ، والهمام الكامل ، والجهبذ الأبر ، اللوذعى الأريب ، والألمعى الأديب ، ولدنا الشيخ يوسف بن الشيخ إسماعيل النبهانى الشافعى أيده الله بالمعارف ونصر ، طلب منى إجازة ليتصل بسند سادتى سنده ، ولا ينفصل عن مددهم مدده ، وينتظم فى سلك قد فاق غيره وبهر ، فأجبته وإن لم أكن لذلك أهلا ، رجاء أن يفشو العلم وأنال من الله فضلاً ، وأنجو فى القيامة مما للكاتمين من الضرر ، فقلت : أجزت ولدى المذكور بما تجوز لى روايته ، أو تصح عنى درايته ، من كل حديث وأثر ، ومن فروع وأصول ، ومنقول ومعقول ، وفنون اللطائف والعبر ، كما أخذته عن الأفاضل السادة الأكابر القادة مسددى العزائم فى استخراج الدرر ، منهم أستاذنا العلامة ولى الله المقرب وملاذنا الفهامة الكبير ثعيلب ، بوأه الله أسنى مقر عن شيخه الشهاب أحمد الملوى ذى التآليف المفيدة ، وعن شيخه أحمد الجوهرى الخالدى صاحب التصانيف الفريدة عن شيخهما عبد الله بن سالم صاحب الثبت الذى اشتهر . ومنهم شيخنا محمد بن محمود الجزائرى عن شيخه على بن عبد القادر بن الأمين ، عن شيخه أحمد الجوهرى المذكور الموصوف بالعرفان والتمكين ، عن شيخه عبد الله بن سالم الذى ذكره غبر . ومنهم الشيخ محمد صالح البخارى ، عن شيخه رفيع الدين القندهارى ، عن الشريف الإدريسى عن عبد الله بن سالم راوى أحاديث الأبر . ومنهم سيدى محمد الأمير ، عن والده الشيخ الكبير ، عن أشياخه الذين حوى ذكرهم ثبته الشهير . ومنهم غير هؤلاء رحم الله الجميع ولى وللمجاز ولهم أكرم وغفر ، وهؤلاء وغيرهم يروون عن جم غفير وجمع كثير ، كالشيخ الحفنى والشيخ على الصعيدى وغيرهما فمسانيدهم مسانيدى فما أكرمها من نسبة وأبر ، وقد سمع منى المجاز كتباً عديدة ، معتبرة مفيدة ، كالتحرير والمنهج ، وفقه الله لمحاسن ما به أمر ، آمين بجاه طه الأمين ، فى 18 رجب سنة ألف ومائتين وتسع وثمانين هجرية . الفقير إليه سبحانه إبراهيم السقا الشافعى بالأزهر عفى عنه))([2]).
فها قد رأيت كلام هؤلاء الأعلام فيه ، قرينه الحافظ الشنقيطى ، وشيخه العلامة الشيخ السقا ، والشيخ عبد الرزاق البيطار ، وهم من أكابر علماء الوقت وفضلائه .
وقد أثنى عليه مجموعة من أكابر علماء عصره ، وقرظوا كتابه شواهد الحق فى الاستغاثة بسيد الخلق ، ووافقوه على ما كتبه من الآراء التى نصر بها الحق ، وهؤلاء هم : العلامة الشيخ على محمد الببلاوى المالكى شيخ الجامع الأزهر (ت 1323 هـ) ، والعلامة الشيخ عبد القادر الرافعى شيخ السادة الحنفية المشهور بأبى حنيفة الصغير ، مفتى الديار المصرية الأسبق (ت 1323 هـ) ، والعلامة الشيخ عبد الرحمن الشربينى الشافعى شيخ الجامع الأزهر (ت 1326 هـ) ، والعلامة الشيخ بكرى محمد عاشور الصدفى شيخ السادة الحنفية ، ومفتى الديار المصرية الأسبق ، والعلامة الحافظ محمد عبد الحى بن عبد الكبير الكتانى الحسنى المغربى صاحب فهرس الفهارس (ت 1382 هـ) ، والعلامة الفقيه أحمد بك الحسينى الشافعى (ت 1332 هـ) ، وشيخ السادة الشافعية سليمان العبد ، والعلامة أحمد حسنين البولاقى الشافعى ، والعلامة الشيخ أحمد البسيونى شيخ السادة الحنابلة ، والعلامة الشيخ سعيد الموجى الشافعى ، والعلامة الشيخ محمد الحلبى الشافعى ، وعامتهم من علماء الأزهر الشريف ، وأغلبهم من مشاهير العلماء بهذه الفترة .
وقارن هذا بصنيع الزركلى([3]) الذى انحرف عنه كعادته فى كل من لم يكن على مشربه فأجحفه حقه باقتصاره على قوله : ((شاعر ، أديب ، من رجال القضاء)) ، وسيأتى بقية تعصبه عليه عند الكلام على مؤلفات النبهانى .ولو كان النبهانى متمسلفا على الطريقة التى يرتضيها الزركلى لعده مجتهدا مجددا مصلحا ، فإن الرجل - أقصد النبهانى - من كبار العلماء ، وأقل منه أثرا ووزنا يُعلى الزركلى من شأنه إن كان على طريقته ترويجا لها وتكثيرا لسواد المتمسلفة ليوقع فى روع من لا يفطن لغرضه أن هناك من العلماء والمصلحين والمجتهدين كثرة وافقتهم على ما ذهبوا إليه ، لا وربى ، نفر قليل ممن تقدموا ، بَدْؤُهم فى القرن الثامن فما بعده ، ولا يستقيم لهم قبل ذلك عالم يوافقهم تماما الموافقة ، على أن العلماء انتقدتهم ، وحاورتهم ، وكشفت عن ضعيف آرائهم ، جيلا بعد جيل ، وقرنا بعد قرن ، ثم عادت هذه الأفكار فى هيئة دعوة استترت بالإصلاح والتجديد والاجتهاد وتنقية العقيدة من البدعة والشرك فى القرن الثانى عشر الهجرى (18 م) ، وساعد الاستعمار الإنجليزى على نشرها فى بلاد لم يستطع أن يطأها بقدم ليفت فى عضد الخلافة الإسلامية القائمة ، فهيأ الاستعمار لتلك الدعوة الظرف الملائم ليساعد على انتشارها ، فقام لها العلماء من شتى بقاع العالم الإسلامى شرقا وغربا ، شمالا وجنوبا ، بداية من علماء الحرمين أنفسهم ، ومن أطراف الهند شرقا ، إلى أطراف المغرب العربى وبلاد شنقيط (موريتانيا) غربا ، ومن أقاليم الإسلام شمالا فى شرق أوروبا إلى أواسط أفريقيا جنوبا ، فلم يأل العلماء نصحا ، فلما قبض الله العلم بقبض العلماء تبجح أصحاب تلك الدعوة وعاثوا فى البلاد موهمين أنهم هم وحدهم أهل السنة والجماعة ، وما أبقى فتيل هذه الدعوة موقدا إلا اغتذائها بزيت كاد ينضب ، وتمسحها فى أذيال دولة أحببناها جميعا لإخلاص رجالها فى خدمة قضايا أمتهم ، فلا تنكر مآثرهم شرقا وغربا ، وكل ما اشتكت منه بلاد الإسلام من حركات متطرفة هو امتداد لتلك الدعوة التى انقلبت - بعد أن عاثت فى البلاد – تفسد فى البلد نفسه الذى خرجت منه ، حفظه الله وسائر بلاد المسلمين من كل سوء ، ورد كيد أولئك عليهم ، فقد قال تعالى {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم}([4]) .
([1]) حلية البشر فى تاريخ القرن الثالث عشر ، (ص1612) .
([2]) ترجمة النبهانى لنفسه ، كما فى مقدمة شواهد الحق ، وحلية البشر فى تاريخ القرن الثالث عشر ، (ص 1613-1616) .
([3]) من أمارات تعصب الزركلى : أنه لم يذكر ترجمة النبهانى لنفسه المثبتة فى أول شواهد الحق فى الاستغاثة بسيد الخلق ، حتى لا يذكر كتابا فى الاستغاثة ، مع أن ترجمة الشخص لنفسه أهم ما كتب عنه ، ولا يخفى موضعها على مثل الزركلى وهو علامة واسعة الاطلاع ، ولكن أخفاها تعصبا . ولم يذكر كلام أحد ممن أثنى على النبهانى ، واقتصر على كلام عبد الحفيظ الفاسى صاحب معجم الشيوخ .
([4]) التأريخ لهذه الفترة الحرجة بحاجة إلى مزيد توسع ، لكن أذكر ما يساعد على الوقوف عليها من قريب ، ويكفى أن أحيلك على كلام صديق حسن خان (ت 1307 هـ) – وهو أحد العلماء الذين يحاول المتمسلفة الاستيلاء عليهم لتكثير سوادهم – وهو معاصر لتلك الدعوة ، فانظر كلامه فى توضيح حقيقة تلك الدعوة : أبجد العلوم (3/193- 200) .
ومن الناحية الفكرية والتأصيلية عند المتقدمين فانظر : دفع شبه من شبه وتمرد لشيخ الإسلام التقى الحصنى – شفاء السقام لشيخ الإسلام تقى الدين السبكى والدرة المضية – حميد الدين النعمانى الرد على ابن تيمية فى الاعتقادات - الفتاوى الحديثية لشيخ الإسلام ابن حجر الهيتمى – نجم المهتدى لابن المعلم القرشى .
أما من الناحية الفكرية والتأصيلية فى العصر الحديث فانظر : أعمال الإمام اللكنوى خاصة الرسائل لا الشروح على المتون - أعمال الشيخ داود بن سليمان البغدادى (ت 1299) - أعمال الشيخ سليمان بن عبد الوهاب خاصة الصواعق الإلهية ، والتوضيح عن توحيد الخلاق فى جواب أهل العراق - أعمال شيخ الإسلام أحمد زينى دحلان (ت 1304 هـ) خاصة تواريخه ، والدرر السنية - أعمال الشيخ يوسف الدجوى خاصة مقالاته وفتاويه – فرقان القرآن والبراهين الساطعة للشيخ سلامة العزامى – أعمال الشيخ زاهد الكوثرى وخاصة مقالاته ومقدماته لكتبه وقد جمعت مؤخرا فى مجلد واحد – أعمال الحافظ أحمد بن الصديق الغمارى – أعمال شيخ الإسلام عبد الله بن الصديق الغمارى وخاصة الرد المحكم المتين – سعادة الدارين للعلامة الشيخ إبراهيم السمنودى - براءة الأشعريين للعلامة الشيخ العربى التبانى – كشف الارتياب للعاملى .
وقد أجازه شيخه العلامة شيخ السادة الشافعية بالأزهر الشريف الشيخ إبراهيم السقا (ت 1298 هـ) بإجازة نثبتها بتمامها لاشتمالها على دلالات مهمة ، وتقدم لنا صورة للحياة العلمية فى الماضى القريب ، يقول الشيخ السقا رحمه الله : ((بسم الله الرحمن الرحيم لك الحمد على مرسل آلائك ومرفوعها ، ولك الشكر على مسلسل نعمائك وموضوعها ، بحسن الإنشاء وصحيح الخبر ، يا من تجيز من استجازك وافرَ الهبات ، وتجير من استجارك واعرَ العقبات ، فيغدو موقوفاً على مطالعة الأثر ، ما بين مؤتلف الفضل ومتفقه ، ومختلف العدل ومفترقه ، جيد الفكر ، سليم الفطر ، يجتنى بمنتج قياسه شريف الفوائد ، ويجتبى بمبهج اقتباسه شريف العوائد . ويحلى نفيس النفوس بعقود العقائد الغرر ، فإن صادفه مديد الإمداد ، وصادقه مزيد الإنجاد ، وصَفَا مشربُه الهنى ولا كدر ، ووجد درر الجواهر ويا نعم الوجادة ، بادر عند ذلك بالاستفادة والإفادة ، ولا أشر ولا بطر ، فبذل المعروف وبدل المنكر ، إذ ليس عنده إلا صحاح الجوهر ، معتنى وما اقتنى غيرها عندما عثر ، لا يزور ولا يدلس ، ويطهر ولا يدنس ، ولا يعانى الشرر ، فيامن مَنَّ على هذا المنقطع الغريب ، ومنحه منحة المتصل القريب ، امنحنى السلامة فى داره ونجنى من سقر ، ومنك موصول صلات صلواتك ومقطوعها ، وسلسل سلسبيل تسليماتك ومجموعها ، على سندنا وسيدنا محمد سيد نوع البشر ، وعلى آله وأصحابه ، وحملة شريعته وأحبابه ، ومن اقتفى أثرهم وعلى جهاد نفسه صبر .
أما بعد : فلما كان الإسناد مزية عالية ، وخصوصية لهذه الأمة غالية ، دون الأمم الخالية ، اعتنى بطلبه الأئمة النبلاء أصحاب النظر ، إذ الدعى غير المنسوب ، والقصى غير المحسوب ، وسليم البصيرة غير أعشى الفكر ، ولما كان منهم الإمام الفاضل ، والهمام الكامل ، والجهبذ الأبر ، اللوذعى الأريب ، والألمعى الأديب ، ولدنا الشيخ يوسف بن الشيخ إسماعيل النبهانى الشافعى أيده الله بالمعارف ونصر ، طلب منى إجازة ليتصل بسند سادتى سنده ، ولا ينفصل عن مددهم مدده ، وينتظم فى سلك قد فاق غيره وبهر ، فأجبته وإن لم أكن لذلك أهلا ، رجاء أن يفشو العلم وأنال من الله فضلاً ، وأنجو فى القيامة مما للكاتمين من الضرر ، فقلت : أجزت ولدى المذكور بما تجوز لى روايته ، أو تصح عنى درايته ، من كل حديث وأثر ، ومن فروع وأصول ، ومنقول ومعقول ، وفنون اللطائف والعبر ، كما أخذته عن الأفاضل السادة الأكابر القادة مسددى العزائم فى استخراج الدرر ، منهم أستاذنا العلامة ولى الله المقرب وملاذنا الفهامة الكبير ثعيلب ، بوأه الله أسنى مقر عن شيخه الشهاب أحمد الملوى ذى التآليف المفيدة ، وعن شيخه أحمد الجوهرى الخالدى صاحب التصانيف الفريدة عن شيخهما عبد الله بن سالم صاحب الثبت الذى اشتهر . ومنهم شيخنا محمد بن محمود الجزائرى عن شيخه على بن عبد القادر بن الأمين ، عن شيخه أحمد الجوهرى المذكور الموصوف بالعرفان والتمكين ، عن شيخه عبد الله بن سالم الذى ذكره غبر . ومنهم الشيخ محمد صالح البخارى ، عن شيخه رفيع الدين القندهارى ، عن الشريف الإدريسى عن عبد الله بن سالم راوى أحاديث الأبر . ومنهم سيدى محمد الأمير ، عن والده الشيخ الكبير ، عن أشياخه الذين حوى ذكرهم ثبته الشهير . ومنهم غير هؤلاء رحم الله الجميع ولى وللمجاز ولهم أكرم وغفر ، وهؤلاء وغيرهم يروون عن جم غفير وجمع كثير ، كالشيخ الحفنى والشيخ على الصعيدى وغيرهما فمسانيدهم مسانيدى فما أكرمها من نسبة وأبر ، وقد سمع منى المجاز كتباً عديدة ، معتبرة مفيدة ، كالتحرير والمنهج ، وفقه الله لمحاسن ما به أمر ، آمين بجاه طه الأمين ، فى 18 رجب سنة ألف ومائتين وتسع وثمانين هجرية . الفقير إليه سبحانه إبراهيم السقا الشافعى بالأزهر عفى عنه))([2]).
فها قد رأيت كلام هؤلاء الأعلام فيه ، قرينه الحافظ الشنقيطى ، وشيخه العلامة الشيخ السقا ، والشيخ عبد الرزاق البيطار ، وهم من أكابر علماء الوقت وفضلائه .
وقد أثنى عليه مجموعة من أكابر علماء عصره ، وقرظوا كتابه شواهد الحق فى الاستغاثة بسيد الخلق ، ووافقوه على ما كتبه من الآراء التى نصر بها الحق ، وهؤلاء هم : العلامة الشيخ على محمد الببلاوى المالكى شيخ الجامع الأزهر (ت 1323 هـ) ، والعلامة الشيخ عبد القادر الرافعى شيخ السادة الحنفية المشهور بأبى حنيفة الصغير ، مفتى الديار المصرية الأسبق (ت 1323 هـ) ، والعلامة الشيخ عبد الرحمن الشربينى الشافعى شيخ الجامع الأزهر (ت 1326 هـ) ، والعلامة الشيخ بكرى محمد عاشور الصدفى شيخ السادة الحنفية ، ومفتى الديار المصرية الأسبق ، والعلامة الحافظ محمد عبد الحى بن عبد الكبير الكتانى الحسنى المغربى صاحب فهرس الفهارس (ت 1382 هـ) ، والعلامة الفقيه أحمد بك الحسينى الشافعى (ت 1332 هـ) ، وشيخ السادة الشافعية سليمان العبد ، والعلامة أحمد حسنين البولاقى الشافعى ، والعلامة الشيخ أحمد البسيونى شيخ السادة الحنابلة ، والعلامة الشيخ سعيد الموجى الشافعى ، والعلامة الشيخ محمد الحلبى الشافعى ، وعامتهم من علماء الأزهر الشريف ، وأغلبهم من مشاهير العلماء بهذه الفترة .
وقارن هذا بصنيع الزركلى([3]) الذى انحرف عنه كعادته فى كل من لم يكن على مشربه فأجحفه حقه باقتصاره على قوله : ((شاعر ، أديب ، من رجال القضاء)) ، وسيأتى بقية تعصبه عليه عند الكلام على مؤلفات النبهانى .ولو كان النبهانى متمسلفا على الطريقة التى يرتضيها الزركلى لعده مجتهدا مجددا مصلحا ، فإن الرجل - أقصد النبهانى - من كبار العلماء ، وأقل منه أثرا ووزنا يُعلى الزركلى من شأنه إن كان على طريقته ترويجا لها وتكثيرا لسواد المتمسلفة ليوقع فى روع من لا يفطن لغرضه أن هناك من العلماء والمصلحين والمجتهدين كثرة وافقتهم على ما ذهبوا إليه ، لا وربى ، نفر قليل ممن تقدموا ، بَدْؤُهم فى القرن الثامن فما بعده ، ولا يستقيم لهم قبل ذلك عالم يوافقهم تماما الموافقة ، على أن العلماء انتقدتهم ، وحاورتهم ، وكشفت عن ضعيف آرائهم ، جيلا بعد جيل ، وقرنا بعد قرن ، ثم عادت هذه الأفكار فى هيئة دعوة استترت بالإصلاح والتجديد والاجتهاد وتنقية العقيدة من البدعة والشرك فى القرن الثانى عشر الهجرى (18 م) ، وساعد الاستعمار الإنجليزى على نشرها فى بلاد لم يستطع أن يطأها بقدم ليفت فى عضد الخلافة الإسلامية القائمة ، فهيأ الاستعمار لتلك الدعوة الظرف الملائم ليساعد على انتشارها ، فقام لها العلماء من شتى بقاع العالم الإسلامى شرقا وغربا ، شمالا وجنوبا ، بداية من علماء الحرمين أنفسهم ، ومن أطراف الهند شرقا ، إلى أطراف المغرب العربى وبلاد شنقيط (موريتانيا) غربا ، ومن أقاليم الإسلام شمالا فى شرق أوروبا إلى أواسط أفريقيا جنوبا ، فلم يأل العلماء نصحا ، فلما قبض الله العلم بقبض العلماء تبجح أصحاب تلك الدعوة وعاثوا فى البلاد موهمين أنهم هم وحدهم أهل السنة والجماعة ، وما أبقى فتيل هذه الدعوة موقدا إلا اغتذائها بزيت كاد ينضب ، وتمسحها فى أذيال دولة أحببناها جميعا لإخلاص رجالها فى خدمة قضايا أمتهم ، فلا تنكر مآثرهم شرقا وغربا ، وكل ما اشتكت منه بلاد الإسلام من حركات متطرفة هو امتداد لتلك الدعوة التى انقلبت - بعد أن عاثت فى البلاد – تفسد فى البلد نفسه الذى خرجت منه ، حفظه الله وسائر بلاد المسلمين من كل سوء ، ورد كيد أولئك عليهم ، فقد قال تعالى {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم}([4]) .
([1]) حلية البشر فى تاريخ القرن الثالث عشر ، (ص1612) .
([2]) ترجمة النبهانى لنفسه ، كما فى مقدمة شواهد الحق ، وحلية البشر فى تاريخ القرن الثالث عشر ، (ص 1613-1616) .
([3]) من أمارات تعصب الزركلى : أنه لم يذكر ترجمة النبهانى لنفسه المثبتة فى أول شواهد الحق فى الاستغاثة بسيد الخلق ، حتى لا يذكر كتابا فى الاستغاثة ، مع أن ترجمة الشخص لنفسه أهم ما كتب عنه ، ولا يخفى موضعها على مثل الزركلى وهو علامة واسعة الاطلاع ، ولكن أخفاها تعصبا . ولم يذكر كلام أحد ممن أثنى على النبهانى ، واقتصر على كلام عبد الحفيظ الفاسى صاحب معجم الشيوخ .
([4]) التأريخ لهذه الفترة الحرجة بحاجة إلى مزيد توسع ، لكن أذكر ما يساعد على الوقوف عليها من قريب ، ويكفى أن أحيلك على كلام صديق حسن خان (ت 1307 هـ) – وهو أحد العلماء الذين يحاول المتمسلفة الاستيلاء عليهم لتكثير سوادهم – وهو معاصر لتلك الدعوة ، فانظر كلامه فى توضيح حقيقة تلك الدعوة : أبجد العلوم (3/193- 200) .
ومن الناحية الفكرية والتأصيلية عند المتقدمين فانظر : دفع شبه من شبه وتمرد لشيخ الإسلام التقى الحصنى – شفاء السقام لشيخ الإسلام تقى الدين السبكى والدرة المضية – حميد الدين النعمانى الرد على ابن تيمية فى الاعتقادات - الفتاوى الحديثية لشيخ الإسلام ابن حجر الهيتمى – نجم المهتدى لابن المعلم القرشى .
أما من الناحية الفكرية والتأصيلية فى العصر الحديث فانظر : أعمال الإمام اللكنوى خاصة الرسائل لا الشروح على المتون - أعمال الشيخ داود بن سليمان البغدادى (ت 1299) - أعمال الشيخ سليمان بن عبد الوهاب خاصة الصواعق الإلهية ، والتوضيح عن توحيد الخلاق فى جواب أهل العراق - أعمال شيخ الإسلام أحمد زينى دحلان (ت 1304 هـ) خاصة تواريخه ، والدرر السنية - أعمال الشيخ يوسف الدجوى خاصة مقالاته وفتاويه – فرقان القرآن والبراهين الساطعة للشيخ سلامة العزامى – أعمال الشيخ زاهد الكوثرى وخاصة مقالاته ومقدماته لكتبه وقد جمعت مؤخرا فى مجلد واحد – أعمال الحافظ أحمد بن الصديق الغمارى – أعمال شيخ الإسلام عبد الله بن الصديق الغمارى وخاصة الرد المحكم المتين – سعادة الدارين للعلامة الشيخ إبراهيم السمنودى - براءة الأشعريين للعلامة الشيخ العربى التبانى – كشف الارتياب للعاملى .
(هذا المقال مقتطف من مقدمة جامع الأحاديث)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق