اللهم نسألك كما اختصمنا فيك فى الدنيا أن تجمعنا فيك فى الآخرة بما اختلفنا فيه من الحق بإذنك ، اللهم بقولك {ونزعنا ما فى صدورهم من غل} فانزعه عنا فى الدنيا قبل الآخرة {ولا تجعل فى قلوبنا غلا للذين آمنوا} ، واجعلنا ومن اختصمنا معهم فيك {أخوانا على سرر متقابلين}
------------------------------------------
------------------------------------------

مقدمة

المقصود من هذه المدونة هو بيان أهل السنة والجماعة الحقيقيين كما ذكره الجماهير المجمهرة من علماء الأمة الإسلامية سواء المتقدمين منهم أو المتأخرين ، ومن كافة أقطار الإسلام .
هذه المدونة تناقش ما تحاول أن تشيعه الوهابية على أنه من مسلمات الفكر الإسلامى وأنه محل إجماع بين علماء المسلمين ، والحقيقة ليست كذلك ، إن ما قامت به الحركة الوهابية ودعت إليه من مقولات خاصة خلال السبعين سنة الماضية هو أكبر عملية لتزييف الفكر والتاريخ الإسلامى الصحيح
لهذا لا ينبغى للإنسان أن يغلق نفسه على مقولات الوهابية ودعاة السلفية ، ويستجيب لكل ضغوطهم وإرهابهم الفكرى وتبديعهم لجماهير العلماء بل وتكفيرهم فى كثير من الأحيان .
هذه المدونة أيضا تقدم نماذج حقيقية لكيفية مناقشة العلماء للقضايا وكيفية تفهمهم لها .
علينا ألا نسمع لرأى واحد ، ونغلق أعيننا وآذاننا دون أن نسمع آراء بقية العلماء ، وهذه إحدى إشكالات الصورة الزائفة للحياة الدينية الإسلامية التى تحاول أن تصبغنا بها الوهابية : الانغلاق ، والتعميم ، وهما وجهان لعملة واحدة ، رغم الدعوى الزائفة والكاذبة بالاجتهاد التى ما أريد بها إلا ترك المستقر والثابت والصحيح واتباع بدعهم وآرائهم الشاذة وأفكارهم المغلوطة

الاثنين، ٢٢ أكتوبر ٢٠٠٧

21 - سعادة الدارين فى الرد على الفرقتين - الوهابية ومقلدة الظاهرية

بسم الله الرحمن الرحيم
نعتذر للسادة القراء عن التأخير ، حيث أخذ إعداد الكتاب جهدا كبيرا ، وسنوالى وضع باقى الكتاب تباعا إن شاء الله تعالى .
ومع شهرة الكتاب لا أجدنى بحاجة إلى كتابة شىء عنه ، وقد كان الحصول عليه صعبا للغاية منذ سنوات قريبة ، ووفق الله بعض دور النشر مؤخرا لطباعته أحدها بموريتانيا ، والأخرى بالإمارات ، والآن نتيحه على الشبكة الألكترونية ، مصورا عن نسخة مكتبة السادة الكردية نفعنا الله بهم ، ومن العجيب أن للكتاب عدة نسخة محفوظة بدار الكتب المصرية ، مفقود منها المجلد الأول من الجميع ، وعبثا حاولنا تصويره من هناك فلم نفلح ، واستعنا ببعض ذوى الشأن هناك لمحاولة التصوير من الكتاب مباشرة أو من الميكروفيش ، فلم نحصل إلا على المجلد الثانى ، ولا أدرى ما السبب .
فقط أقول : كان المشايخ ولا زالوا يوصون بقراءة هذا الكتاب .
برجاء متابعة الملفات ، وتحميلها من خلال الرابط التالى ، حيث قمنا بتقسيم الكتاب إلى عدة ملفات ، ونرفعها أولا بأولا :
http://esamanas100.googlepages.com/سعادةالدارينفىالردعلىالفرقتينالوهابيةومق

الأحد، ١٤ أكتوبر ٢٠٠٧

20- كشف الشبهات عن إهداء القراءة وسائر القرب للأموات للعلامة الشيخ محمود حسن ربيع رحمه الله تعالى

كشف الشبهات
عن إهداء القراءة وسائر القرب للأموات
كتاب يحتوى على الفتيا فى الإسلام ، ورسالة فى أحوال الموتى ، وحكم إهداء القراءة وسائر القرب للأحياء والأموات من المسلمين . وهل يصل ثوابها إلى المهدى إليهم أو لا يصل ؟ وبيان ما يقال ويفعل عند المحتضر قبل الموت وبعده ، وعند القبر . وما يقضى عن الميت وجوبا أو ندبا مما أوصى به ، ومما لم يوص من دين وكفارة وزكاة وحج وصوم وصلاة واعتكاف وغيرها ، وكل ما ينفع الميت من دعاء وصقدة وغيرهما . والأحاديث الواردة فى {قل هو الله أحد} ، وفى (لا إله إلا الله) ، وحكم العتاقة الكبرى والصغرى ، وحكم إسقاط الصلاة ، مبينا كل ذلك أتم بيان مع ذكر المذاهب ، وتحريرها ، والأحاديث وتخريجها ، والأدلة وتقريرها ، مما لا تجده مجموعا فى كتاب ، والله الموفق للصواب

هكذا أثبت مؤلفه العلامة الشيخ محمود حسن ربيع ، من علماء الأزهر الشريف ومدرسيه ، رحمه الله تعالى على طرة الكتاب هذا النص الطويل ، الذى حاول به أن يوضح مباحث الكتاب ، وهى كلها مما دار حولها الجدل ، خاصة مع طائفة الوهابية ، ويمكن أن نعده حلقة من حلقات السجال الذى دار بين العلامة الشيخ يوسف الدجوى والذى مثل فيه جانب الجمهور من أهل المذاهب الأربعة والمدرسة الأزهرية الأصيلة ، وبين الشيخ رشيد رضا والذى مثل فيه الجانب الوهابى . وقد انتصر المؤلف العلامة الشيخ محمود حسن ربيع إلى جانب الجمهور بمذاهبهم وعقائدهم وطرقهم .
ويشتمل على الكتاب على عدة رسائل مستقلة أوردها المؤلف بعضها ، وبعض لعلماء آخرين :
1- فصدّر الكتاب برسالة : الفتيا فى الإسلام .
2- رسالة العلامة نجم الدين الغيطى فى ذكر أحوال الموتى ، وينشرها المؤلف الشيخ محمود ربيع رحمه الله لأول مرة من أصول خطية .
3- رسالة فيها نبذة يسيرة فى الكلام على مقر الأرواح فى حال الحياة وبعد الوفاة ... ، وهذه الرسالة وجدها الشيخ محمود ربيع رحمه الله عقب رسالة الغيطى فى بعض الأصول الخطية ، ولم يُذكر مؤلفها ، ووجدها نافعة فنشرها معها .
4- رسالة إنارة الأفهام عن الشهداء فى الإسلام ، للمؤلف فضيلة الشيخ محمود حسن ربيع رحمه الله تعالى .
5- تصدير الطبعة الأولى للكتاب ، وفيه بيان سبب التأليف ، للعلامة الشيخ على حسن البولاقى رحمه الله تعالى .
6- مقدمة المؤلف للطبعة الأولى .
7- فضل تلاوة القرآن الكريم .
8- القسم الأول : فى الكلام على ما يتعلق بإهداء ثواب القراءة ونحوها للغير .
9- رسالة : فصل الخطاب فى حكم الدعاء بإيصال الثواب ، للعلامة وجيه الدين عبد الرحمن بن عبد الكريم بن زياد الزبيدى .
10- رسالة : القول المختار على جواب ابن العطار بمنع إهداء القرآن والأذكار لسيد الأبرار ، للعلامة الإمام شهاب الدين أحمد بن محمد الشبراملسى العمرى الحجازى الشافعى .
11- رسالة : شفاء العليل وبل الغليل فى حكم الوصية بالختمات والتهاليل ، للعلامة الإمام ابن عابدين الحنفى .
12- رسالة فى تفسير قوله تعالى {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} للشيخ الإمام القاضى الفقيه شمس الدين أبى عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبد الواحد بن على بن سرور المقدسى الحنبلى .
وقد عملنا إشارات مرجعية على ملفات الكتاب (pdf) تسهيلا للوصول إليها ، بالإضافة إلى موضوعات الكتاب الرئيسية ، على أن المؤلف قد وضع فهرسا تفصيلا بمسائل الكتاب مذكور فى آخره .
وكتبه حامدا مصليا متوسلا
عصام أنس الزفتاوى
القاهرة ، 3 شوال 1428 هـ
ولتحميل الكتاب برجاء الانتقال إلى الصفحة التالية :

الأربعاء، ١٠ أكتوبر ٢٠٠٧

19 - رسالة التوحيد للشيخ أرسلان الدمشقى



رسالة التوحيد للشيخ أرسلان بن يعقوب الدمشقى (ت بعد 540 هـ)



اعتنى بها عصام أنس الزفتاوى
مقدمة
رسالة التوحيد للشيخ أرسلان الدمشقى لى معها شأن ، فلسنين طويلة احتوت مكتبتى الخاصة على نسخة من شرح الشيخ عبد الغنى النابلسى عليها ((المسمى خمرة الحان ورنة الألحان بشرح رسالة الشيخ أرسلان)) ألممت بها إلماما سريعا ثم حفظتها بالمكتبة دون أن ألتفت إلى قيمتها العالية ، وبقى الحال سنين طوال ، حتى أذن الله لى بالسفر إلى دمشق المحروسة وشرفت بلقاء العديد من علمائها وأوليائها بقدر ما يسره الله كمولانا الشيخ العارف الكبير أحمد الحبال شيخ مجالس الصلاة على سيدنا النبى صلى الله عليه وسلم ، ومولانا الشيخ العارف الكبير الأستاذ الدكتور عبد القادر الكتانى ، ومولانا شيخ القراء وبقية السلف شكرى لحفى ، وكان ممن لقيتهم الشيخ العارف العالم أبو حسان غسان دركل نفعنا الله به ، فأتحفنى بإسماع هذه الرسالة النافعة ، وللحق فقد بت ليلتى تلك لا يمكننى النوم مع إرهاق السفر وأنا أعيد قراءة تلك الرسالة مرة بعد أخرى ، ويأخذنى العجب منها ، وتتفتح لى بقرائتها آفاقا كانت موصدة دونى . رغم أنى كنت قد نشرت قبلها حكم ابن عطاء الله على ما هو مشهور عنها من رفيع المكانة ، وفرغت منذ عام تقريبا من العمل فى حكم أبى مدين ، واللتان أخذنى نفس ما أخذنى عند قرائتهما لأول مرة .
وما زلت مشدوها لتلك الأنفاس الزكية التى تنفست عطر الكتاب والسنة ، فأبدعت تلك التجارب الإنسانية العميقة فى ذوقهما ، وسعت قدر طاقتها إلى معرفة ربها فأنتجت تلك الحكم العرفانية .
واعتمدت فى النسخة المنشورة على النسخة التى ناولنيها شيخنا الشيخ محمد حسان دركل حفظه الله كما سبق الإشارة إليه ، وقد قابلتها على عدة نسخة مطبوعة .
وللإمام الشيخ ابن طولون عناية خاصة بالترجمة للشيخ أرسلان ، سماها : غاية البيان فى ترجمة الشيخ أرسلان ، وهى مطبوعة بدمشق ، بمطبعة العلم ، بعناية الأستاذ المحقق العلامة عزة حصرية رحمه الله تعالى .
وقد كان للأستاذ المحقق أيضا فضل نشر مجموعة شروح قيمة لهذه الرسائل تحت عنوان : شروح رسالة الشيخ أرسلان فى علوم التوحيد والتصوف ، ويشمل المجموع على : فتح الرحمن بشرح رسالة الولى أرسلان لشيخ الإسلام زكريا الأنصارى (ت 915 هـ) ، ونهاية البيان فى شرح رسالة أرسلان للشيخ على بن صدقة الشافعى (ت 975) ، وشرح الرسلانية لعلى بن علون الحموى (ت 936 هـ) ، وخمرة الحان ورنة الألحان ، للإمام عبد الغنى النابلسى (1143 هـ) ، مع شرح الرسالة الرسلانية ومنتخبات للشيخ كمال الشريف عن فصوص الحكم والفتوحات المكية . ونشر أيضا بدمشق المحروسة ، مط العلم ، 1389 هـ / 1969 م.
وقد قدم الأستاذ عزة حصرية بمقدمة ضافية للكتاب ، وتكلم عن الرسالة نفسها ، وعن شروحها ، وشارحيها ، وهى مقدمة جديرة بالقراءة .
ويتضح من الشروح السابقة المنشورة ، وغيرها مما نوه به الأستاذ المحقق ، حيث بلغت شروح الرسالة الأرسلانية فيما ذكره (12) شرحا ، أن هذه الرسالة كانت محل عناية الشيوخ ، والأولياء ، وطالبى الحقيقة .

رسالة التوحيد للشيخ أرسلان الدمشقى (ت بعد 540 هـ)
1- كُلُّك شِرْكٌ خَفِىٌّ . وَلاَ يَبِينُ لَكَ تَوْحِيدُكَ إِلاَّ إِذَا خَرَجْتَ عَنْكَ ؛ فَكُلَّمَا أَخْلَصْتَ يُكْشَفُ لَكَ أَنَّهُ هُوَ لاَ أَنْتَ فَتَسْتَغْفِرُ مِنْكَ . وَكُلَّمَا وَحَّدْتَ بَانَ لَكَ الشِّرْكَ ، فَتُجَدِّدُ لَهُ فِى كُلِّ سَاعَةٍ وَوَقْتٍ تَوْحِيدًا وَإِيمَانًا . وَكُلَّمَا خَرَجْتَ عَنْهُمْ زَادَ إِيمَانُكَ ، وَكُلَّمَا خَرَجْتَ عَنْكَ قَوِىَ يَقِيُنَكَ .
2- يَا أَسِيرَ الشَّهَوَاتِ وَالْعِبَادَاتِ ، يَا أَسِيرَ الْمَقَامَاتِ وَالْمُكَاشَفَاتِ ، أَنْتَ مَغْرُورٌ ، أَنْتَ مُشْتَغِلٌ بِكَ عَنْهُ ، أَيْنَ الاشْتِغَالُ بِهِ عَنْكَ .
3- وَهُوَ عَزَّ وَجَلَّ حَاضِرٌ نَاظِرٌ {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ} فِى الدُّنْيَا وَفِى الآَخِرَةِ، فَإِذَا كُنْتَ مَعَهُ حَجَبَكَ عَنْكَ، وَإِذَا كُنْتَ مَعَكَ اسْتَعْبَدَكَ لَهُ.
4- الإِيمَانُ خُرُوجُكَ عَنْهُمْ ، وَالْيَقِينُ خُرُوجُكَ عَنْكَ . إِذَا زَادَ إِيمَانُكَ نُقِلْتَ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ ، وَإِذَا زَادَ يَقِينُكَ نُقِلْتَ مِنْ مَقَامٍ إِلَى مَقَامٍ .
5- الشَّرِيعَةُ جُعِلَتْ لَكَ ، حَتَّى تَطْلُبَهُ مِنْهُ بِهِ - تَعَالَى- لَكَ . وَالْحَقِيقَةُ لَهُ حَتَّى تَطْلُبَهَا بِهِ لَهُ عَزَّ وَجَلَّ ، حَيْثُ لاَ حِينَ وَلاَ أَيْنَ ؛ فَالشَّرِيعَةُ حُدُودٌ وَجِهَاتٌ ، وَالْحَقِيقَةُ لاَ حَدَّ وَلاَ جِهَةَ .
6- الْقَائِمُ بِالشَّرِيعَةِ فَقَطْ تَفَضَّلَ عَلَيْهِ بِالْمُجَاهَدَةِ ، وَالْقَائِمُ بِالْحَقِيقَةِ تَفَضَّلَ عَلَيْهِ بِالْمِنَّةِ ، وَشَتَّانَ مَا بَيْنَ الْمُجَاهَدَةِ وَالْمِنَّةِ . الْقَائِمُ مَعَ الْمُجَاهَدَةِ مَوجُودٌ ، وَالْقَائِمُ مَعَ الْمِنَّةِ مَفْقُودٌ .
7- الأَعْمَالُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالشَّرْعِ الشَّرِيفِ ، وَالتَّوَكُّلُ مُتَعَلِّقٌ بِالإِيمَانِ ، وَالتَّوْحِيدُ مُتَعَلِّقٌ بِالْكَشْفِ الصَّحِيحِ .
8- النَّاسُ تَائِهُونَ عَنِ الْحَقِّ بِالْعَقْلِ ، وَتَائِهُونَ عَنِ الآَخِرَةِ بِالْهَوَى ، فَمَتَى طَلَبْتَ الْحَقَّ بِالْعَقْلِ فَقَدْ ضَلَلْتَ ، وَمَتَى طَلَبْتَ الآَخِرَةَ بِالْهَوَى فَقَدْ ضَلَلْتَ .
9- المؤمن ينظر بنور الله ، والعارف ينظر به إليه .
10- ما دمت أنت معك أمرناك ، فإذا فنيت عنك توليناك ، وما تولاهم إلا بعد فنائهم .
11- ما دمت أنت فأنت مريد ، فإذا أفناك عنك فأنت مراد .
12- اليقين الأدوم فى غييبتك عنك ، ووجودك به ، فكم بين ما يكون بأمره وبين ما يكون به .
13- إن كنت قائماً بأمره خضعتْ لك الأسباب ، وإن كنت قائماً به تضعضعتْ لك الأكوان .
14- أول المقامات الصبر على مراده ، وأوسطها الرضا بمراده ، وآخرها أن تكون بمراده .
15- العلم طريق العمل ، والعمل طريق العلم .
16- والعلم طريق المعرفة ، والمعرفة طريق الكشف ، والكشف طريق الفناء .
17- ما صلحت لنا وفيك بقية لسوانا ، فإذا حولت السوى أفنيناك عنك فصلحت لنا فأودعناك سرنا .
18- إذا لم يبق عليك حركة لنفسك كمُل يقينك ، وإذا لم يبق لك وجود عندك كمُل توحيدك .
19- أهل الباطن مع اليقين ، وأهل الظاهر مع الإيمان ، فمتى تحرك قلب صاحب اليقين نقص يقينه ، متى لم يخطر له خاطر كمل يقينه . ومتى تحرك قلب صاحب الإيمان بغير الأمر نقص إيمانه ، ومتى تحرك بالأمر كمل إيمانه .
20- معصية أهل اليقين كفر ، ومعصية أهل الإيمان نقص .
21- المتقى مجتهد ، والمحب متكل ، والعارف ساكن ، والموجود مفقود .
22- لا سكون لمتق ، ولا عزم لمحب ، ولا حركة لعارف ، ولا وجود لمفقود .
23- ما تحصل المحبة إلا بعد اليقين .
24- المحب الصادق قد خلا قلبه مما سواه ، وما دام عليه بقية محبة لسواه ، فهو ناقص المحبة .
25- من تلذذ بالبلاء فهو موجود ، ومن تلذذ بالنعمة فهو موجود ، فإذا أفناهم عنهم ، ذهب التلذذ بالبلاء والنعمة .
26- المحب أنفاسه حكمة ، والمحبوب أنفاسه قدرة .
27- العبادات للمعاوضات ، والمحبة للقربات .
28- ((أعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر)) : لما أرادونى أعطيتهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت .
29- إذا أفناك عن هواك بالحكمة ، وعن إرادتك بالعلم ، صرت عبداً صرفاً لا هوى لك ولا إرادة .
30- فحينئذ يكشف لك عن نفسك ، فتضمحل العبودية فى الوحدانية ، فيفنى العبد ويبقى الرب تعالى .
31- الشريعة كلها قبضٌ ، والعلم كله بسطٌ ، والمعرفة كلها دلال .
32- طريقتنا كلها محبة لا عمل ، وفناء لا بقاء .
33- إذا دخلت فى العمل كنتَ لك ، وإذا دخلت فى المحبة كنتَ له .
34- العابد راءٍ لعبادته ، والمحب راءٍ لمحبته .
35- إذا عرفتَه كانت أنفاسك به وحركاتك له ، وإذا جهلتَه كانت حركاتك لك .
36- العابد ما له سكون ، والزاهد ما له رغبة ، والصدِّيق ما له ارتكان ، والعارف ما له حول ، ولا له قوة ، ولا اختيار ، ولا إرادة ، ولا حركة ، ولا سكون .
37- الموجود ما له وجود .
38- إذا استأنست به استوحشت منك .
39- من اشتغل بنا له أعميناه ، ومن اشتغل بنا لنا بصَّرناه .
40- إذا زال هواك يكشف لك عن باب الحقيقة فتفنى إرادتك فيكشف لك عن الوحدانية ، فتحققت به أنه هو بلا أنت معه .
41- إن سلَّمتَ إليه قرَّبك ، وإن نازعته أبعدك .
42- إن تقرَّبتَ إليه به قرَّبَك ، وإن تقربت إليه بك أبعدك .
43- إن طلبته لك كلَّفك ، وإن طلبته له دلَّلك .
44- قربك خروجك عنك ، وبعدك وقوفك معك .
45- إن جئت بلا أنت قَبِلَك ، وإن جئت بك حجبك .
46- العامل لا يكاد يخْلصُ من رؤية عمله ، فكن من قبيل المنة ، ولا تكن من قبيل العمل .
47- إن عرفته سكنْتَ ، وإن جهلته تحرَّكت ، فالمراد أن يكون ولا تكون .
48- العوام أعمالهم مُتَّهمات ، والخواص أعمالهم قربات ، وخواص الخواص أعمالهم درجات .
49- كلما اجتنبت هواك قوى إيمانك ، وكلما اجتنبت ذاتك قوى توحيدك .
50- الخلق حجاب ، وأنت حجاب ، والحق ليس بمحجوب ، ومحتجب عنك بك ، وأنت محجوب عنك بهم ، فانفصل عنك بهم ، فانفصل عنك تشهدْه ، والسلام .

الأحد، ٧ أكتوبر ٢٠٠٧

18- كشف الارتياب عن أتباع محمد بن عبد الوهاب للعاملى

اقرأ مرة أخرى بعد أن تم تعديل المقال وإثراؤه فى ضوء المناقشات القيمة للقراء فى المنتديات المختلفة التى تم نشر المقال به
مدخل :
1) يتضمن الكتاب تاريخ الوهابية ، وحروبهم ، وأعمالهم ، من ابتداء ظهورهم إلى وقت تأليف الكتاب ، وذكر فوائد مهمة يتوقف عليها رد معتقداتهم ، وتفصيل شبههم ، واعتقاداتهم كلها ، وردها .
2) وهو للعلامة الشيخ السيد محسن الأمين الحسينى العاملى ، وهو من علماء الشيعة ، وقد فرغ منه سنة 1346 ، وأعاد النظر فيه وفرغ منه سنة 1347 بدمشق المحمية .
3) ويصعب الحصول على هذا الكتاب من دور النشر ، وظل لسنوات طويلة لا توجد منه نسخ بمصر ، وقد ظهر مؤخرا فى معرض الكتاب الدولى الأخير بالقاهرة (سنة 2007 م) ، ولا شك أن كثيرا من الناشرين سيتردد فى نشره إبقاء على مصالحه التجارية . والعجب أن أغلب النسخ التى وقفت عليها دون ناشر ، وهذه النسخة التى ننشرها اليوم هى أول نسخة أراها مثبت عليها اسم ناشرها ، والذى صورها على الطبعة الأصلية ، بمطبعة ابن زيدون بدمشق سنة 1347 هـ .
4) ويعد هذا النص من النصوص المهمة التى تكشف عن رأى علماء الشيعة فى الحركة الوهابية ، ولهذا من المهم الاطلاع عليه ، وإذا بحثت عن الكتاب على الشبكة الألكترونية ستجد له ذكرا فى عشرات المواضع إن لم يكن مئاتها ، بين ناقل عن الكتاب ، أو مشيد له ، أو متعقب عليه ، والكتاب لا ريب يمثل جزء مهما من الحركة العلمية التى دارت حول الحركة الوهابية ، ولم أقف على موقع قام بتيسير الحصول على نسخة ألكترونية منه ، ولهذا فقد قمنا بنشره على الشبكة الدولية تسهيلا للوصول إليه .
5) ولا شك أن هناك مما ورد فى الكتاب بحاجة إلى نقاش ، وعدم التسليم ، ومنه ما هو بحاجة إلى التوثيق وبيان المصدر ، خاصة ما ورد عن الناحية التاريخية ، حيث يذكر الكثير من الأخبار دون بيان مصدرها .
6) ولكن يبقى أن الكتاب نص تاريخى مهم يجب الاطلاع عليه لكل معتن بالبحث فى أصول الحركة الوهابية ، سواء كان كل ما فى الكتاب صواب ، أو كان فى بعضه ما يرد ، ومَن مِن البشر من لا يؤخذ منه ويرد .
7) ولهذا فأرجو ألا يفهم من نشرى لهذا الكتاب هجومى على أى قطر إسلامى ، أو محاولتى لبث عدم الاستقرار أو مزيد من الشقاق ، كما أرجو ألا يفهم من نشره اتفاقى مع كل ما ورد فى هذا النص المنشور .
8) ومع حرصنا على استقرار كل الأقطار الإسلامية سياسيا واجتماعيا ودينيا ، بما فيها القطر الذى خرجت منه الحركة الوهابية ، نجد أن هذه الحركة غير حريصة لا على استقرار قطرها الذى خرجت منه ، ولا على استقرار غيره من الأقطار . ونظيرتها فى ذلك هى الحركة الشيعية السياسية الحديثة ، والتى تحاول بشتى السبل تصدير مدها الخبيث إلى أقطارنا ، وقلقلة استقرارها ، وكأن الحركتين وجهان لعملة واحدة ، ولهذا فهما متصدمتان دائما ، وإن اتفقتا معا على الانتشار باستغلال تسامح النسق السنى السائد (الأشعرى / الماتريدى – المذهبى – الصوفى) وكونه نموذجا مفتوحا ، يتقبل الآخر ، ولا يتعصب ضده ولا يعاديه ابتداء . ولهذا اقتصر دائما رد فعل النسق السائد على مستوى الحوار الفكرى الصحيح كما فعل علماء الأقطار الإسٍلامية كافة وليس علماء الأزهر الشريف فحسب ، ولم يتجاوزه تاريخيا إلا فى حالات خروج هاتين الحركتين وأتباعهما عن النظام العام فى البلاد الإسلامية المختلفة ، والخروج على النظام العام مما لا ينبغى أن تتجاوز عنه ولاةُ الأمور ولا الشعوب ولا المؤسسات .
9) ولهذا فإننى فقط أنشر هذا الكتاب فى ضوء حقنا فى الفهم والقراءة والشفافية وعدم التضليل وعدم حجب المعلومات والنصوص عنا ، فمن حقنا أن نفهم ماذا حدث ، ولماذا نحن اليوم فيما نحن فيه .
منهج قراءة :
10) ونصيحتى لنفسى - التى لا شك أن القارئ خبير بها – أن نقرأ كل شىء وأى شىء بعين مستبصرة ، بعيدة عن التعصب ، راغبة فى المعرفة ، فأنا كمنهج أقرأ للخصوم بعدما أقرأ للموافقين ، وقد استفدت من القراءة لخصوم التصوف ، وخصوم المذهبية وهكذا ... الكثيرَ من المآخذ والسلبيات والأخطاء التى هم محقون فى انتقادها ، ومن لا يخطئ ، ورحم الله من أهدى إلينا عيوبنا .

11) ولهذا فإن رد العلامة العاملى الشيعى ، هو رد من خصم على خصم إن صح التعبير ، وذكر فيه وقائع تاريخية حدثت معهم وفى بلادهم ، فمن أين نعرفها .
12) وأيضا هناك الكثير من العلماء المهمين من كافة الاتجاهات غير السنية نقرأ لهم لأهمية أعمالهم مع معرفتنا وحذرنا من مخالفتهم لأصول أهل السنة ، فنقرأ للزمخشرى فى التفسير والأدب واللغة ، مع أنه شحن كتبه بالاعتزال ، ونقرأ للشريف الرضى ، ونقرأ فى أصول الفقه للمعتزلة ، بل أصول الفقه عند المتكلمين تهتم بالتراث الأًصولى المعتزلى ، ويكفى أن مدرسة المحصول العظيمة التى أسسها الإمام الفخر الرازى ،وهى المدرسة السائدة اليوم فى الأصول ، بنيت على أربعة كتب اثنين لأهل السنة : البرهان لإمام الحرمين ، والمستصفى للغزالى ، واثنين للمعتزلة : شرح العمد والمعتمد لأبى الحسين البصرى . وغير ذلك من الأمثلة .
13) وليس عندنا كهنوت ، بل عندنا مناهج وأدوات للعلم ، من كانت عنده فليقرأ بها كما قرأ بها أئمتنا وعلماؤنا ، ومن لم تكن عنده فعلى من يملكها أن ينبهه عليها ، ويعلمه لها ، ويكسبه قوة على مواجهة ذلك . أما الحجب والقصر فلست أرضاه منهجا .
14) على أن كتاب كشف الارتياب قد صار مع شهرته فى موضوعه مرجعا عاما ، وهذا واضح من مراجعة أدبيات ذلك الموضوع ، ومن ثم فحجبه أو قصره ليس فى مصلحة الحركة العلمية
منهج نقد :
15) دائما يحاول أنصار الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن يقصروننا على مؤلفاته فحسب ، ويتغافلون عما فعله فى حياته العملية .
16) ولا بد أن ننتبه إلى أننا نناقش وننقد حركة فكرية ، وليس نظريات علمية فحسب ، ومناقشة الحركات الفكرية لا بد أن يشمل تصرفاتها وأفعالها على أرض واقع ، وكل ما صنعته ، ولهذا نجد الدراسات حول الحركات تهتم بهذا الجانب العملى ، كما هو واضح من الدراسات الاجتماعية والسياسية حول حركة ما من الحركات الفكرية أو السياسية أو الدينية ، وهذا منهج واضح للغاية ، ولا أدرى لماذا يتغافل عنه أنصار الوهابية ، ودائما يصرون فى الحوار معهم على أنه ينبغى أن نرجع إلى مؤلفات الشيخ ابن عبد الوهاب فحسب ، ويتناسون أننا نتناقش حول حركة فكرية لها أصولها النظرية التى قد توجد فى المؤلفات ، وقد تتناقل شفاهيا أيضا شأنها شأن كل الحركات الفكرية التى تتكون مقولاتها شيئا فشىء ، كما أن لها تطبيقاتها العملية التى تعرف من أرض الواقع ، ومن أخبار التاريخ .
17) ومذهب الرجل لا يعرف من كتبه فقط خاصة إذا كان مذهبه فى جانب عملى بالإضافة إلى الجانب النظرى ، فالجانب النظرى يعرف من كتبه ، أما الجانب العملى والذى مارساه فى الحياة من خلال دوره كداعية ومحارب لمخالفيه فلا يعرف من كتبه وحدها وهذا واضح جدا .

18) ولذا فإن هذا الجواب عن انتقاد الخصوم فى غير محل الاعتراض لأن كثيرا من انتقادات الخصوم عليه إنما هى فى ممارساته لدعوته على أرض الواقع .
19) وهذا واضح من صنيع العلامة الصنعانى ورجوعه عن تأييد الشيخ ابن عبد الوهاب رغم وقوفه على مصنفاته ، فقد رجع عن تأييده بما ثبت عنده وصح من ممارساته المجانبة للصواب . ولهذا فالرد على الاعتراضات بالرجوع إلى كتب الشيخ لا يخلصه من الاعتراضات المتوجهة عليه .
20) فالنقد الموجه للوهابية على المستوى التطبيقى وليس النظرى فحسب ، النظرى تجده فى الكتب . والتطبيقى تجده فى الحياة ، والحياة ينقلها المؤرخون ، ولهذا فقد تواتر نقل المؤرخون على أن ابن عبد الوهاب أسرف فى التكفير أثناء دعوته وقتل المسلمين على ذلك ، ولعلك لا تجد هذا الإسراف أو الحث عليه واضحا فى مؤلفاته .
21) وهناك مصادر أخرى ربما غير مدونة تجد فيها معلومات مهمة مثل الخطب التى تلقى فى موسم الحج ويسمعها ملايين المسلمين ، وفيها تكفير وتجهيل لعامة المسلمين . وكذلك الفتاوى التى تلقى على مسامع الآلاف فى الحرمين الشريفين ، أليس كل ذلك يعبر عن آراء الوهابية .
22) وهذا المنهج واضح من موقف العلامة الصنعانى من محمد بن عبد الوهاب ، فقد قرأ كتبه ومع هذا لم يكتف بها ، وتثبت مما شاع عنه من أخبار ووقائع عظيمة من ثم رأى أن الصواب الرجوع عن تأييده .
23) ولهذا فالمطالبة بمجرد الرجوع إلى كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب للرد على الانتقادات التى وجهت إليه فيه إما مغالطة أو غفلة عن إدراك ماهية هذه الانتقادات والمنهج العلمى الصحيح فى تمحيصها .
24) ومن جهة أخرى فالمذهب - أى مذهب - ليس بمؤسسه وحده بل بأتباعه أيضا ، فمذهب الشافعية ليس الإمام الشافعى وحده بل أيضا وجهود أصحابه وما أضافوه إليه ، وتحريرهم للمذهب ، وتقعيده وتنظيره ، وهكذا فى سائر المذاهب .
25) وأيضا فى مجال العقيدة : فطريقة الأشعرية المعبرة عن عقيدة أهل السنة والجماعة بمنهج عقلى ليس بالإمام أبى الحسن الأشعرى وحده ، بل بجهود أصحابه وأتباعه .
26) وأيضا الوهابية ليست بالشيخ محمد بن عبد الوهاب وحده بل أيضا بأصحابه وأتباعه . ولهذا فالكلام على الوهابية ليس كلاما عن محمد بن عبد الوهاب وحده بل عن مدرسته ككل ، وعن النموذج الفكرى الذى تسير عليه هذه المدرسة ، والتى تحاول نشره فى بلاد الإسلام ، وسببوا به فى كثير من القلاقل والفتن والمشكلات الدينية والاجتماعية ، والذى يعانى العالم ككل الآن منها .
27) ذلك النموذج الفكرى أو المنهج الذى طبقوه على كثير من المسائل التى لم يتكلم فيه مؤسس الوهابية .
28) وسنجد فى كتابات هؤلاء كثيرا مما يأخذه عليه خصومهم ، وقديما منذ حوالى عشرين قرأت مجموعة رسائل أظنها منشورة تحت عنوان : مجموعة الرسائل النجدية ، استعرتها من أحد أصحابى ، فانزعجت منها جدا ، وأذكر أن من كاتبيها بعض أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب وبعض أحفاده وتلاميذه ، وهذه الرسائل مليئة بالتصريح بتكفير جماهير المسلمين ، وغير ذلك من الطامات .
29) وما زلت أذكر رسالة منها كتبها كاتبها منكرا على من يسافرون إلى بلاد الشرك ، ويتعلمون على يد علماء المشركين ويتزوجون فيهم ، وأن الواجب البراء من الشرك وأهله ، وظللت أقرأ هذه الرسالة ظنا أنها كتبت إلى من يسافر إلى بلاد الغرب وأوروبا للتعلم ، وفى آخر الرسالة اكتشفت أن الكاتب يتحدث عن مصر وعلمائها .
30) وقد بحثت عن هذه المجموعة بعد ذلك فى مكتبات مصر فلم أجدها ، وأظن أن الجهات المسئولة فى مصر منعت تداولها لما فيها من أفكار شديدة التطرف .
31) وعندى رسالة للشيخ ابن باز رحمه الله يتكلم فيها عن مسألة كروية الأرض ، وأنها مسطحة ، ويتهم فيها من يقول بكرويتها فى عقيدته ، وذلك لأنه يريد أن يؤصل لصفة العلو وإثبات الجهة لله تعالى ، ولا بد له أن يبنيه على أن الأرض مسطحة لا كروية ، وقد سمعت من بعض المهتمين برسائل وفتاوى الشيخ ابن باز أن هذه الرسالة منعوا طباعتها فى السعودية ، لما أثارته من مشاكل ، وهى غير مذكورة فى مجموعة رسائل وفتاوى ابن باز التى تم جمعها ، ولا أدرى إن كان هذا صحيحا أم لا فنرجو ممن عنده علم بذلك أن يفيدنا .
32) فإن صح فمعنى هذا أن الوهابية يعملون بالتقية ، ويخفون من نصوصهم وأدبياتهم ما هو حقيقة مذهبهم وآرائهم ، ومن هنا فتفقد كتبهم المنشورة حجية الاستدلال بها على مذهبهم أو على الأقل تصبح غير قادرة على تصويره . ولاحظ أن هذا وجه آخر للاتفاق مع الحركة الشيعية : التقية ؟!
33) وهناك أيضا كتابات الشيخ حمودة التويجرى ، وفيها إشكالات كبيرة ، وأذكر منها : رسالة على ما أذكر اسمها : الصواعق المرسلة أو نحو ذلك ، وأنا آسف لأنى أكتب هذا التعليق بعيدا عن مكتبتى ولا أتمكن من التحقق من اسمها .
34) على أية حال فهذه الرسالة تمثل المذهب الوهابى فى صورته الصارخة المجردة دون أى تجميل أو تزويق أو محاولة للتوفيق ، تماما مثلما أن النموذج النازى أو المحافظين الجدد - فيما يذكره محللو الحضارات - يمثل الفكر الغربى فى صورته الصارخة المجردة .
ولتحميل الكتاب انتقل إلى الصحفة التالية :

مع مساهمات القراء :
وقد كتب الأستاذ طارق منصور إضافة مهمة فى منتدى روض الرياحين نثبتها فيما يلى قال حفظه الله : رفع الأستاذ عصام الزفتاوي مشكورا كتاب كشف الارتياب للعاملي ، وهو مرجع مفيد لكنه لا يلزم الوهابية لكونه من تصنيف شيعي يسهل اتهامه بالكذب ... وقد وقفت على كتاب تاريخ نجد لابن غنام الوهابي بتهذيب ناصر الدين الأسد منشورا على المواقع الوهابية وفيه من التصريح بالتكفير وتوثيق الجرائم بل وتأكيد نسبتها إلى محمد بن عبد الوهاب مجدد مذهب التجسيم ما لا سبيل إلى إنكاره .. تم تكليف الدكتور ناصر الدين الأسد بتهذيب الكتاب نظرا لركاكة عبارات ابن غنام ، والقارئ في الكتاب يحسبه لأحد جماعات ذبح النساء والأطفال في الجزائر إبان التسعينات ، فالكاتب يقول غزا المسلمون وغنم المسلمون دون حياء ولا خجل ، ومن اللافت للنظر أن أوامر القتل كانت تصدر عن النجدي الذي صار إماما مجددا بقدرة قادر في وجدان الأمة ، وكان يعتبر التشكيك بكلامه ردة يستحق صاحبها الاغتيال .. وممارساته الموثقة تكشف التقية والمداراة التي لجأ إليها في بعض رسائله المنشورة التي يتبرأ فيها من تكفير المسلمين لابسا جلد الحمل وهو يقول سبحانك ربي هذا بهتان عظيم .. أترككم مع الرابط
http://www.alukah.net/majles/showthread.php?t=5684
انتهى كلام الأستاذ طارق منصور .
وهذه إضافة قيمة تساعد على إثراء الموضوع .
وشكرا له على هذه المعلومات القيمة ، وقد قمت بتحميل كتاب ابن غنام بالفعل وأنا الآن أقرأه ، والله المستعان

17- ترتيب السلوك للإمام القشيرى - تجربة صوفية ذاتية

ترتيب السلوك فى طريق الله تعالى
للإمام زين الإسلام عبد الكريم القشيرى
وهذا الكتاب من كنوز التصوف الإسلامى ، وهو سجل رائع لتجربة القشيرى الشخصية فى كيفية وصول الذاكرين إلى الحقيقة ، وذلك كما وصفه الأستاذ العلامة المحقق : الدكتور إبراهيم بسيونى رحمه الله تعالى ، أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة عين شمس .
ومن المعروف عناية الأستاذ الدكتور إبراهيم بسيونى بتراث الإمام القشيرى رحمة الله عليهما ، فقد قام بتحقيق تفسيره العظيم ، كما قام بتحقيق كتاب نحو القلوب الكبير ، وغير ذلك من مصنفات القشيرى .
بالإضافة إلى ذلك فله دراسة قيمة للغاية عن القشيرى .
وقد عاونه فى تحقيقه الأستاذ محمد أحمد غانم ، وقمنا بتصوير هذه النسخة من مكتبة مولانا العلامة المحدث نجاح عوض صيام نفعنا الله به .
وقد كتب محققه مقدمة ضافية له لا تجعل بعدها مزيدا من القول حول الكتاب .
لكن لا بأس باقتباس بعض عباراته فى المقدمة تنشيطا للقارئ للاهتمام بالكتاب ، وتحميله ، فمما قاله المحقق رحمه الله تعالى :
((نعم هذه هى تجربة التصوف العملى كما عاناها شيخ جليل من شيوخ أهل السنة والأشاعرة ، تبدأ وتنتهى فى أدق مراحل التجربة وأشدها حساسية ، ونشهد أننا ابتداء من سطور الكتاب الأولى إلى نهايته لم نقف على مأخذ واحد يتعارض مع الدين الحنيف ...)) (ص 9) .
ويقول : ((ومن السطور الأولى سيقرأ أعداء التصوف وأدعياؤه أن الحرص على العلم والتعلم هو البداية فى الطريق ، فلا بد كما يقول الشيخ أن يتأدب المريد على شيخ يوثق فى علمه .
ومن السطور الأولى سيقرأ أعداء التصوف وأدعياؤه أن الحرص على الشريعة والفرائض والسنن وصلاة الضحى وطهارة النفس والبدن والثوب ونحو ذلك شرط أساس)) (ص 10) .
وبعد أن يورد المحقق نص رسالة الإمام القشيرى المحققة ، يتبعها بشروح وتعليقات لا تقل فى نفاستها عن النص الذى قام بتحقيقه ، وهو فيها يتناول فصول الرسالة كافة بالشرح والتعليق ، ليوضح غوامضها .
ولتحميل الكتاب انتقل إلى الصفحة التالية :

الأربعاء، ٣ أكتوبر ٢٠٠٧

16- نحو قراءة منهجية للتراث الصوفي الإسلامي - للأستاذ الدكتور أبى اليزيد العجمى

نحو قراءة منهجية للتراث الصوفي الإسلامي
لأستاذنا الدكتور أبى اليزيد أبو زيد العجمي
أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة .
قال فضيلته فى أوله :
((مدخل - التصوف بين الصيت والرؤية العلمية

ظُلم التصوف الإسلامي في كثير من قراءات الناس له، ربما بسبب المصطلح - كما يذكر البعض - وربما بسبب انحراف بعض المنتسبين إليه، وربما بسبب حرب بعض الاتجاهات الفكرية له وهو ما أشاع عنه أنه وافد ليست الحياة الإسلامية بحاجة إليه، فضلاً عن أنه مبتدَع، تسبب في إبعاد ذويه عن الإسهام الحضاري وعن الارتباط بالأصول الشرعية، وهذه الأسباب وغيرها - بصرف النظر عن صحتها أو صحة بعضها أو عدم صحته - تقرر حقيقة أن هذا الجزء من تراث المسلمين أصابه قسط كبير من الظلم، لا نغالي إذا قلنا لم يُصب بمثله جزء آخر من تراث حضارتنا.
وقد عرف تاريخ الفكر الإسلامي اتجاهات لنقد التصوف بعضها من داخله لتصحيح المسار، وبعضها من خارجه – وهو بيت القصيد - ذهب أهل هذا الأخير مذاهب، أحدها مَدَح حتى الأخطاء، وسوغها بالتأويل، وثانيها غض طرفه عن كل حسن في هذا التراث، فلم ير فيه إلا كل خلل وفساد، وانطلق من حالات فردية إلى حكم عام وموقف شامل، وثالثها توسّط، لكنه لم يكن على شهرة السابقين.
وقد عانى الفكر الصوفي من المذهبين الأولين، بل وحجب كلٌ جزءًا من الحقيقة عن الناس؛ الأمر الذي جعل كثيرًا من العلماء والباحثين قديمًا وحديثًا ينادون بضرورة التزام منهج وسط بين الرفض المطلق والقبول المطلق.
وتعددت أشكال نداءاتهم، فمن قائل بضرورة المنهجية قبل الحكم والنقد، ومن قائل بضرورة التريث قبل الحكم على السابقين، ومن قائل بضرورة النظر إلى كل زوايا التصوف، واعتبار كل مراحله عند التقسيم.
وقديمًا تبني هذه الدعوة علم من أعلام العلماء المحافظين، فنادى بخطأ القبول المطلق والرفض المطلق، وجعل الحكم هوى إن كان صادرًا عن حب مطلق أو بعض مطلق. ذلكم هو شيخ الإسلام ابن تيمية الذي سار في هذا الأمر على درب سابقين له من العلماء الحنابلة.
وإذا كان هناك اتفاق بين دعوة المعاصرين ودعوة ابن تيمية ومن سبقه، فإن هناك فارقًا أساسيًا هو أن المعاصرين لم يقدموا تصورًا كاملاً للمنهج الذي ينبغي أن تكون عليه قراءة التصوف، بل أشاروا إلى بعض النقاط بإيجاز وإجمال، أما ابن تيمية فقد قدم تصورًا أكثر تفصيلًا عن المنهج في نقد التصوف، بل وطبّقه في النظر إلى مراحل التصوف، وإلى المصطلح، وإلى رجال التصوف ونحو هذا
.
لكن نقول أيضًا: إن هذا التصور عنده مبثوث في شتى كتاباته عن التصوف، وعن السلوك، بل وعن العقيدة أيضًا؛ الأمر الذي لم يجعله شهيرًا من الدارسين، وبخاصة أنه أشيع عن عداء شيخ الإسلام للتصوف الكثير.
فرغبةً في الإفادة من تراثنا الروحي في حياتنا المعاصرة، ورغبة في إنصاف هذا الجزء من تراثنا، وإيمانًا بضرورة المنهج في قراءة التراث بل وغير التراث، وانضمامًا إلى صفوف العلماء والباحثين المنادين بذلك، ورغبة كذلك في إبراز الموقف المنهجي الحق لشيخ الإسلام ابن تيمية..
لهذه الأسباب وما في بابها رأيت أن أقدّم تصورًا لكيفية القراءة المنهجية للتراث الصوفي، آملاً أن أضع به نقطة ضوء أمام الدارسين الباحثين عن الحق والمستهدفين الإفادة من التراث للمعاصرة دون تكلف أو افتعال.وقد جمعت شتات إشارات من هنا ومن هناك، وتطبيقات تناثرت في ثنايا البحوث وأضفت إليها رؤيتي وخبرة صلتي بهذا الجزء من تراثنا لأقدّم هذه الرؤية التي بين يدي القارئ، محاولاً ألا أحيد عن العدل في حكمي أو تعليقي؛ التزامًا بالمنهج الذي أدعو إليه، على طريق علماء سبقوا وباحثين لا يزالون يعطون العلم خبراتهم ورؤاهم...))
والبحث له نسخة منشورة ألكترونيا بموقع التصوف الإسلامى ، ويمكن تحميل نسخة كاملة من البحث بالضغط على العنوان الرئيسى السابق ، أو على الرابط التالى :

الثلاثاء، ٢ أكتوبر ٢٠٠٧

15) تعريف الأنام فى التوسل بالنبى وزيارته عليه السلام - للإمام ابن الحاج العبدرى صاحب المدخل

زيارة النبى صلى الله عليه وسلم والتوسل به وبالصالحين – حكمه وآدابه عند العلماء من خلال كلام ابن الحاج صاحب المدخل
تمهيد :
1) يعد الإمام ابن الحاج العبدرى موضع اتفاق على جلالته واعتباره ، وخاصة فى كتابه العظيم المدخل ، الذى تكلم فيه على الآداب الشرعية فى شتى العبادات والمعاملات ، واعتنى ببيان ما وقع فى ذلك من بدع ، ولهذا يرجع إليه الكثيرون فى بيان ذلك ، ويكاد يتفق الكل على أهمية هذا الكتاب ، وهو من المراجع المعتمدة عند الوهابية ومن وافقهم فى بيان البدع ، ويستدلون بكلامه كثيرا .
2) ولهذا نعرض اليوم لحكم زيارة النبى صلى الله عليه وسلم ، وحكم التوسل به وبالأولياء تبعا له ، وكلام الأئمة المعتبرون فى ذلك من خلال كلام ابن الحاج فى المدخل ، ليظهر أن جواز ذلك بل استحبابه وعده قربة هو مذهب الجماهير المجمهرة من علماء أهل السنة بدء من الأئمة المتقدمين الكبار أمثال الإمام مالك وحتى طبقة شيوخ الإمام ابن الحاج العبدرى ، وأنه ليس فى ذلك ما يناقض عقيدة التوحيد ، وسنرى ذلك من خلال كلام الإمام ابن الحاج الذى يعتبر من أهم من تكلم على البدع وأنكرها ، ومع هذا لم ير فى التوسل والزيارة إلا أنهما قربة ، ثم نبه على ما قد يقع مع ذلك من بدع ومخالفات .
3) وسنذكر نص كلامه من خلال كتابه المدخل ، كما سننشر صورة ألكترونية لهذا الفصل أيضا حيث نشر مفردا بمصر فى طبعة نادرة للغاية ، وذلك تحت عنوان : ((تعريف الأنام فى التوسل بالنبى وزيارته عليه السلام)) بمراجعة وتقريظ أحد كبار علماء الأزهر الشريف وهو : العلامة الشيخ محمد عبد الفتاح العنانى ، شيخ السادة المالكية ورئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف ، ويليه رسالة : سهام الموحدين فى حناجر المارقين ، للعلامة المحقق الشيخ : أبى بكر عبد الرحمن مخيون ، ويليها رسالة : فصل المقال فى حكم الصلاة بالنعال ، للعلامة الشيخ عبد الله بن محمد الهادى بن عبد القادر البلبيسى ، وهذه الرسائل نشرت قديما بمصر بمطبعة الصدق الخيرية ، سنة 1370 هـ ، وتمت تصويرها من المكتبة العامرة لمشايخنا السادة الكردية النقشبدية نفعنا الله بهم .
ولتحميل صورة الكتاب انتقل إلى الرابط التالى : http://esamanas100.googlepages.com/تعريفالأنامفىالتوسلبالنبىوزياتهعليهالسلا
قال ابن الحاج العبدرى فى المدخل :
فصل فى زيارة القبور
4) وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ ، ثُمَّ أَبَاحَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : { كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلَا فَزُورُوهَا وَلَا تَقُولُوا هُجْرًا } .
5) وَصِفَةُ السَّلَامِ عَلَى الْأَمْوَاتِ أَنْ يَقُولَ ( السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ، وَالْمُؤْمِنَاتِ ، وَالْمُسْلِمِينَ ، وَالْمُسْلِمَاتِ رَحِمَ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا ، وَالْمُسْتَأْخِرِينَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ أَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ ) انْتَهَى .
6) ثُمَّ يَقُولُ : ( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلَهُمْ ) وَمَا زِدْت ، أَوْ نَقَصْت فَوَاسِعٌ .
7) وَالْمَقْصُودُ الِاجْتِهَادُ لَهُمْ فِي الدُّعَاءِ ، فَإِنَّهُمْ أَحْوَجُ النَّاسِ لِذَلِكَ لِانْقِطَاعِ أَعْمَالِهِمْ .
8) ثُمَّ يَجْلِسُ فِي قِبْلَةِ الْمَيِّتِ وَيَسْتَقْبِلُهُ بِوَجْهِهِ ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي أَنْ يَجْلِسَ فِي نَاحِيَةِ رِجْلَيْهِ إلَى رَأْسِهِ ، أَوْ قُبَالَةِ وَجْهِهِ ، ثُمَّ يُثْنِي عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا حَضَرَهُ مِنْ الثَّنَاءِ ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ الْمَشْرُوعَةَ ، ثُمَّ يَدْعُو لِلْمَيِّتِ بِمَا أَمْكَنَهُ ، وَكَذَلِكَ يَدْعُو عِنْدَ هَذِهِ الْقُبُورِ عِنْدَ نَازِلَةٍ نَزَلَتْ بِهِ ، أَوْ بِالْمُسْلِمِينَ وَيَتَضَرَّعُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي زَوَالِهَا وَكَشْفِهَا عَنْهُ وَعَنْهُمْ ، وَهَذِهِ صِفَةُ زِيَارَةِ الْقُبُورِ عُمُومًا .
9) فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ الْمُزَارُ مِمَّنْ تُرْجَى بَرَكَتُهُ فَيَتَوَسَّلُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِهِ ، وَكَذَلِكَ يَتَوَسَّلُ الزَّائِرُ بِمَنْ يَرَاهُ الْمَيِّتُ مِمَّنْ تُرْجَى بَرَكَتُهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ يَبْدَأُ بِالتَّوَسُّلِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إذْ هُوَ الْعُمْدَةُ فِي التَّوَسُّلِ ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا كُلِّهِ ، وَالْمُشَرَّعُ لَهُ فَيَتَوَسَّلُ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَنْ تَبِعَهُ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ ، وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ إذَا قُحِطُوا اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ فَقَالَ : اللَّهُمَّ إنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إلَيْك بِنَبِيِّك صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَسْقِينَا وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إلَيْك بِعَمِّ نَبِيِّك فَاسْقِنَا فَيُسْقَوْنَ ) انْتَهَى .
10) ثُمَّ يَتَوَسَّلُ بِأَهْلِ تِلْكَ الْمَقَابِرِ أَعْنِي بِالصَّالِحِينَ مِنْهُمْ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِهِ وَمَغْفِرَةِ ذُنُوبِهِ ، ثُمَّ يَدْعُو لِنَفْسِهِ وَلِوَالِدِيهِ وَلِمَشَايِخِهِ وَلِأَقَارِبِهِ وَلِأَهْلِ تِلْكَ الْمَقَابِرِ وَلِأَمْوَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَلِأَحْيَائِهِمْ وَذُرِّيَّتِهِمْ إلَى يَوْمِ الدِّينِ وَلِمَنْ غَابَ عَنْهُ مِنْ إخْوَانِهِ وَيَجْأَرُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالدُّعَاءِ عِنْدَهُمْ .
11) وَيُكْثِرُ التَّوَسُّلَ بِهِمْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اجْتَبَاهُمْ وَشَرَّفَهُمْ وَكَرَّمَهُمْ فَكَمَا نَفَعَ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا فَفِي الْآخِرَةِ أَكْثَرُ .
12) فَمَنْ أَرَادَ حَاجَةً فَلْيَذْهَبْ إلَيْهِمْ وَيَتَوَسَّلُ بِهِمْ ، فَإِنَّهُمْ الْوَاسِطَةُ بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَخَلْقِهِ ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الشَّرْعِ وَعُلِمَ مَا لِلَّهِ تَعَالَى بِهِمْ مِنْ الِاعْتِنَاءِ ، وَذَلِكَ كَثِيرٌ مَشْهُورٌ .
13) وَمَا زَالَ النَّاسُ مِنْ الْعُلَمَاءِ ، وَالْأَكَابِرِ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ مَشْرِقًا وَمَغْرِبًا يَتَبَرَّكُونَ بِزِيَارَةِ قُبُورِهِمْ وَيَجِدُونَ بَرَكَةَ ذَلِكَ حِسًّا وَمَعْنًى .

14) وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ النُّعْمَانِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِسَفِينَةِ النَّجَاءِ لِأَهْلِ الِالْتِجَاءِ فِي كَرَامَاتِ الشَّيْخِ أَبِي النَّجَاءِ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ عَلَى ذَلِكَ مَا هَذَا لَفْظُهُ : تَحَقَّقَ لِذَوِي الْبَصَائِرِ ، وَالِاعْتِبَارِ أَنَّ زِيَارَةَ قُبُورِ الصَّالِحِينَ مَحْبُوبَةٌ لِأَجْلِ التَّبَرُّكِ مَعَ الِاعْتِبَارِ ، فَإِنَّ بَرَكَةَ الصَّالِحِينَ جَارِيَةٌ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ كَمَا كَانَتْ فِي حَيَاتِهِمْ ، وَالدُّعَاءُ عِنْدَ قُبُورِ الصَّالِحِينَ ، وَالتَّشَفُّعُ بِهِمْ مَعْمُولٌ بِهِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ انْتَهَى .
15) وَلَا يَعْتَرِضُ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ مَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ فَلْيَذْهَبْ إلَيْهِمْ وَلْيَتَوَسَّلْ بِهِمْ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : { لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا لِثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي ، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى } انْتَهَى . وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ الْجَلِيلُ أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ آدَابِ السَّفَرِ مِنْ كِتَابِ الْإِحْيَاءِ لَهُ مَا هَذَا نَصُّهُ : الْقِسْمُ الثَّانِي : وَهُوَ أَنْ يُسَافِرَ لِأَجْلِ الْعِبَادَةِ إمَّا لِجِهَادٍ ، أَوْ حَجٍّ إلَى أَنْ قَالَ : وَيَدْخُلُ فِي جُمْلَتِهِ زِيَارَةُ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَقُبُورِ الصَّحَابَةِ ، وَالتَّابِعِينَ وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ ، وَالْأَوْلِيَاءِ ، وَكُلُّ مَنْ يُتَبَرَّكُ بِمُشَاهَدَتِهِ فِي حَيَاتِهِ يُتَبَرَّكُ بِزِيَارَتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَيَجُوزُ شَدُّ الرِّحَالِ لِهَذَا الْغَرَضِ ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا لِثَلَاثِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي ، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى )) ، لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْمَسَاجِدِ ؛ لِأَنَّهَا مُتَمَاثِلَةٌ بَعْدَ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ ، وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ زِيَارَةِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَالْأَوْلِيَاءِ ، وَالْعُلَمَاءِ فِي أَصْلِ الْفَضْلِ ، وَإِنْ كَانَ يَتَفَاوَتُ فِي الدَّرَجَاتِ تَفَاوُتًا عَظِيمًا بِحَسَبِ اخْتِلَافِ دَرَجَاتِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .

16) وَذَكَرَ الْعَبْدَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِهِ لِرِسَالَةِ ابْن أَبِي زَيْدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا هَذَا لَفْظُهُ : وَأَمَّا النَّذْرُ لِلْمَشْيِ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَالْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ فَلَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ وَهُوَ الْحَجُّ ، وَالْعُمْرَةُ ، وَإِلَى الْمَدِينَةِ لِزِيَارَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
وَالنَّبِيُّ أَفْضَلُ مِنْ الْكَعْبَةِ وَمِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ حَجٌّ وَلَا عُمْرَةٌ .
17) وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُسْلِمٌ صَحِيحٌ لَا يَرْتَابُ فِيهِ إلَّا مُشْرِكٌ ، أَوْ مُعَانِدٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي كِتَابِ اتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ قَالَ : اتَّفَقَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَنَّ زِيَارَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَحَبَّةٌ ، وَنَقَلَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْفَاسِيِّ أَنَّ زِيَارَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاجِبَةٌ . قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ : يُرِيدُ وُجُوبَ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ .
18) وَالْحَاصِلُ مِنْ أَقْوَالِهِمْ أَنَّهَا قُرْبَةٌ مَطْلُوبَةٌ لِنَفْسِهَا لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِغَيْرِهَا فَتَنْفَرِدُ بِالْقَصْدِ وَشَدِّ الرَّحَّالِ إلَيْهَا ، وَمَنْ خَرَجَ قَاصِدًا إلَيْهَا دُونَ غَيْرِهَا فَهُوَ فِي أَجَلِّ الطَّاعَاتِ وَأَعْلَاهَا فَهَنِيئًا لَهُ ، ثُمَّ هَنِيئًا لَهُ اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا مِنْ ذَلِكَ بِمَنِّك يَا كَرِيمُ .

19) سَمِعْت سَيِّدِي أَبَا مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ : اُنْظُرْ إلَى سِرِّ مَا وَقَعَ مِنْ هِجْرَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إلَى الْمَدِينَةِ وَإِقَامَتِهِ بِهَا حَتَّى انْتَقَلَ إلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَذَلِكَ أَنَّ حِكْمَةَ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدْ مَضَتْ عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تَتَشَرَّفُ الْأَشْيَاءُ بِهِ لَا هُوَ يَتَشَرَّفُ بِهَا فَلَوْ بَقِيَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي مَكَّةَ إلَى انْتِقَالِهِ إلَى رَبِّهِ تَعَالَى لَكَانَ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ قَدْ تَشَرَّفَ بِمَكَّةَ ، إذْ أَنَّ شَرَفَهَا قَدْ سَبَقَ بِآدَمَ ، وَالْخَلِيلِ وَإِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُبَيِّنَ لِعِبَادِهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَفْضَلُ الْمَخْلُوقَاتِ كَانَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ هِجْرَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إلَى الْمَدِينَةِ فَتَشَرَّفَتْ الْمَدِينَةُ بِهِ أَلَا تَرَى إلَى مَا وَقَعَ مِنْ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ أَفْضَلَ الْبِقَاعِ الْمَوْضِعُ الَّذِي ضَمَّ أَعْضَاءَهُ الْكَرِيمَةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ . وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَفْضَلُ مِنْ الْكَعْبَةِ وَغَيْرِهَا وَانْظُرْ إلَى الْأَشْيَاءِ الَّتِي بَاشَرَهَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تَجِدْهَا أَبَدًا تَتَشَرَّفُ بِحَسَبِ مُبَاشَرَتِهِ لَهَا وَبِقَدْرِ ذَلِكَ يَكُونُ التَّشْرِيفُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ فِي الْمَدِينَةِ : ((تُرَابُهَا شِفَاءٌ )) . وَمَا ذَاكَ إلَّا لِتَرَدُّدِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِتِلْكَ الْخُطَى الْكَرِيمَةِ فِي أَرْجَائِهَا لِعِيَادَةِ مَرِيضٍ ، أَوْ إغَاثَةِ مَلْهُوفٍ ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَلَمَّا أَنْ كَانَ مَشْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسْجِدِهِ بِالْمَدِينَةِ أَكْثَرَ مِنْ تَرَدُّدِهِ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَدِينَةِ عَظُمَ شَرَفُهُ بِذَلِكَ فَكَانَتْ الصَّلَاةُ فِيهِ بِأَلْفِ صَلَاةٍ وَلَمَّا أَنْ كَانَ تَرَدُّدُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَيْنَ بَيْتِهِ وَمِنْبَرِهِ أَكْثَرَ مِنْ تَرَدُّدِهِ فِي الْمَسْجِدِ كَانَتْ تِلْكَ الْبُقْعَةُ الشَّرِيفَةُ بِنَفْسِهَا رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : ((مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ )) انْتَهَى .
20) وَفِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْعَمَلَ فِيهَا يُحَصِّلُ لِصَاحِبِهِ رَوْضَةً فِي الْجَنَّةِ . وَالثَّانِي : أَنَّهَا بِنَفْسِهَا تُنْقَلُ إلَى الْجَنَّةِ ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ .
21) ثُمَّ نَرْجِعُ إلَى مَا كُنَّا بِسَبِيلِهِ مِنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْآدَابِ ، وَهُوَ فِي زِيَارَةِ الْعُلَمَاءِ ، وَالصُّلَحَاءِ وَمَنْ يَتَبَرَّكُ بِهِمْ :
22)
وَأَمَّا عَظِيمُ جَنَابِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَالرُّسُلِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ فَيَأْتِي إلَيْهِمْ الزَّائِرُ وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ قَصْدُهُمْ مِنْ الْأَمَاكِنِ الْبَعِيدَةِ ، فَإِذَا جَاءَ إلَيْهِمْ فَلْيَتَّصِفْ بِالذُّلِّ ، وَالِانْكِسَارِ ، وَالْمَسْكَنَةِ ، وَالْفَقْرِ ، وَالْفَاقَةِ ، وَالْحَاجَةِ ، وَالِاضْطِرَارِ ، وَالْخُضُوعِ وَيُحْضِرْ قَلْبَهُ وَخَاطِرَهُ إلَيْهِمْ ، وَإِلَى مُشَاهَدَتِهِمْ بِعَيْنِ قَلْبِهِ لَا بِعَيْنِ بَصَرِهِ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَبْلَوْنَ وَلَا يَتَغَيَّرُونَ ، ثُمَّ يُثْنِي عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَيْهِمْ وَيَتَرَضَّى عَنْ أَصْحَابِهِمْ ، ثُمَّ يَتَرَحَّمُ عَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ .
23) ثُمَّ يَتَوَسَّلُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِهِمْ فِي قَضَاءِ مَآرِبِهِ وَمَغْفِرَةِ ذُنُوبِهِ وَيَسْتَغِيثُ بِهِمْ وَيَطْلُبُ حَوَائِجَهُ مِنْهُمْ وَيَجْزِمُ بِالْإِجَابَةِ بِبَرَكَتِهِمْ وَيُقَوِّي حُسْنَ ظَنِّهِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ بَابُ اللَّهِ الْمَفْتُوحِ ، وَجَرَتْ سُنَّتُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي قَضَاءِ الْحَوَائِجِ عَلَى أَيْدِيهِمْ وَبِسَبَبِهِمْ وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الْوُصُولِ إلَيْهِمْ فَلْيُرْسِلْ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِمْ وَذِكْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ حَوَائِجِهِ وَمَغْفِرَةِ ذُنُوبِهِ وَسَتْرِ عُيُوبِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ ، فَإِنَّهُمْ السَّادَةُ الْكِرَامُ ، وَالْكِرَامُ لَا يَرُدُّونَ مَنْ سَأَلَهُمْ وَلَا مَنْ تَوَسَّلَ بِهِمْ ، وَلَا مَنْ قَصَدَهُمْ وَلَا مَنْ لَجَأَ إلَيْهِمْ هَذَا الْكَلَامُ فِي زِيَارَةِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَالْمُرْسَلِينَ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عُمُومًا .
فَصْلٌ وَأَمَّا فِي زِيَارَةِ سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ
24)
فَكُلُّ مَا ذُكِرَ يَزِيدُ عَلَيْهِ أَضْعَافَهُ أَعْنِي فِي الِانْكِسَارِ ، وَالذُّلِّ ، وَالْمَسْكَنَةِ ؛ لِأَنَّهُ الشَّافِعُ الْمُشَفَّعُ الَّذِي لَا تُرَدُّ شَفَاعَتُهُ وَلَا يَخِيبُ مَنْ قَصْدَهُ وَلَا مَنْ نَزَلَ بِسَاحَتِهِ وَلَا مَنْ اسْتَعَانَ ، أَوْ اسْتَغَاثَ بِهِ ، إذْ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قُطْبُ دَائِرَةِ الْكَمَالِ وَعَرُوسُ الْمَمْلَكَةِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ : { لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى } . قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ رَأَى صُورَتَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ .
25) فَإِذَا هُوَ عَرُوسُ الْمَمْلَكَةِ فَمَنْ تَوَسَّلَ بِهِ ، أَوْ اسْتَغَاثَ بِهِ ، أَوْ طَلَبَ حَوَائِجَهُ مِنْهُ فَلَا يُرَدُّ وَلَا يَخِيبُ لِمَا شَهِدَتْ بِهِ الْمُعَايَنَةُ ، وَالْآثَارُ .
26) وَيَحْتَاجُ إلَى الْأَدَبِ الْكُلِّيِّ فِي زِيَارَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ .
27) وَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ : إنَّ الزَّائِرَ يُشْعِرُ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ وَاقِفٌ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَمَا هُوَ فِي حَيَاتِهِ ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَوْتِهِ وَحَيَاتِهِ أَعْنِي فِي مُشَاهَدَتِهِ لِأُمَّتِهِ وَمَعْرِفَتِهِ بِأَحْوَالِهِمْ وَنِيَّاتِهِمْ وَعَزَائِمِهِمْ وَخَوَاطِرِهِمْ ، وَذَلِكَ عِنْدَهُ جَلِيٌّ لَا خَفَاءَ فِيهِ .
28)
فَإِنْ قَالَ الْقَائِلُ : هَذِهِ الصِّفَاتُ مُخْتَصَّةٌ بِالْمَوْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، فَالْجَوَابُ أَنَّ كُلَّ مَنْ انْتَقَلَ إلَى الْآخِرَةِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَهُمْ يَعْلَمُونَ أَحْوَالَ الْأَحْيَاءِ غَالِبًا ، وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي الْكَثْرَةِ بِحَيْثُ الْمُنْتَهَى مِنْ حِكَايَاتٍ وَقَعَتْ مِنْهُمْ .
29) وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عِلْمُهُمْ بِذَلِكَ حِينَ عَرْضِ أَعْمَالِ الْأَحْيَاءِ عَلَيْهِمْ وَيُحْتَمَلُ غَيْرُ ذَلِكَ ، وَهَذِهِ أَشْيَاءُ مَغِيبَةٌ عَنَّا .
30) وَقَدْ أَخْبَرَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِعَرْضِ الْأَعْمَالِ عَلَيْهِمْ فَلَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ ذَلِكَ ، وَالْكَيْفِيَّةُ فِيهِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهَا .
31) وَكَفَى فِي هَذَا بَيَانًا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : ((الْمُؤْمِنُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ )) انْتَهَى ، وَنُورُ اللَّهِ لَا يَحْجُبُهُ شَيْءٌ هَذَا فِي حَقِّ الْأَحْيَاءِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَكَيْفَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ ؟ .
32) وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَذْكِرَتِهِ مَا هَذَا لَفْظُهُ : ابْنُ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنَا رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ عَنْ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ : لَيْسَ مِنْ يَوْمٍ إلَّا وَتُعْرَضُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْمَالُ أُمَّتِهِ غَدْوَةً وَعَشِيَّةً فَيَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَأَعْمَالَهُمْ ؛ فَلِذَلِكَ يَشْهَدُ عَلَيْهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَكَيْفَ إذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِك عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا } ، قَالَ : وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَعْمَالَ تُعْرَضُ عَلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمَ الْخَمِيسِ وَيَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَعَلَى الْأَنْبِيَاءِ ، وَالْآبَاءِ ، وَالْأُمَّهَاتِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَا تَعَارُضَ ، فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَخْتَصَّ نَبِيُّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالْعَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ انْتَهَى .
33)
فَالتَّوَسُّلُ بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هُوَ مَحَلُّ حَطِّ أَحْمَالِ الْأَوْزَارِ وَأَثْقَالِ الذُّنُوبِ ، وَالْخَطَايَا ؛ لِأَنَّ بَرَكَةَ شَفَاعَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَعِظَمَهَا عِنْدَ رَبِّهِ لَا يَتَعَاظَمُهَا ذَنْبٌ ، إذْ أَنَّهَا أَعْظَمُ مِنْ الْجَمِيعِ فَلْيَسْتَبْشِرْ مَنْ زَارَهُ وَيَلْجَأْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِشَفَاعَةِ نَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَنْ لَمْ يَزُرْهُ اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا مِنْ شَفَاعَتِهِ بِحُرْمَتِهِ عِنْدَك آمِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ .
34) وَمَنْ اعْتَقَدَ خِلَافَ هَذَا فَهُوَ الْمَحْرُومُ أَلَمْ يَسْمَعْ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَوْ أَنَّهُمْ إذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوك فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا } فَمَنْ جَاءَهُ وَوَقَفَ بِبَابِهِ وَتَوَسَّلَ بِهِ وَجَدَ اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مُنَزَّهٌ عَنْ خُلْفِ الْمِيعَادِ ، وَقَدْ وَعَدَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالتَّوْبَةِ لِمَنْ جَاءَهُ وَوَقَفَ بِبَابِهِ وَسَأَلَهُ وَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ ، فَهَذَا لَا يَشُكُّ فِيهِ وَلَا يَرْتَابُ إلَّا جَاحِدٌ لِلدِّينِ مُعَانِدٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْحِرْمَانِ .

35) وَقَدْ جَاءَ بَعْضُهُمْ إلَى زِيَارَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَدْخُلْ الْمَدِينَةَ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ ، بَلْ زَارَ مِنْ خَارِجِهَا أَدَبًا مِنْهُ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ لَهُ : أَلَا تَدْخُلُ فَقَالَ : أَمِثْلِي يَدْخُلُ بَلَدَ سَيِّدِ الْكَوْنَيْنِ لَا أَجِدُ نَفْسِي تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ ، أَوْ كَمَا قَالَ .
36) وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لِرَسُولِ الْخَلِيفَةِ لَمَّا أَنْ أَتَى إلَيْهِ بِالْبَغْلَةِ لِيَرْكَبَهَا حَتَّى يَأْتِيَ إلَيْهِ لِعُذْرِهِ فِي كَوْنِهِ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ انْخَلَعَتْ يَدَاهُ وَرُكْبَتَاهُ مِنْ الضَّرْبِ الَّذِي قَدْ وَقَعَ بِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْحِكَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْهُ فَأَبَى أَنْ يَرْكَبَ ، وَقَالَ : مَوْضِعٌ وَطِئَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَقْدَامِهِ الْكَرِيمَةِ مَا كَانَ لِي أَنْ أَطَأَهُ بِحَافِرِ بَغْلَةٍ وَمَشَى إلَيْهِ مُتَّكِئًا عَلَى رَجُلَيْنِ يَجُرُّ رِجْلَيْهِ حَتَّى بَلَغَ إلَى الْخَلِيفَةِ فِي خَارِجِ الْمَدِينَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَجَرَى لَهُ مَعَهُ مَا جَرَى .
37) وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لِلْخَلِيفَةِ لَمَّا أَنْ سَأَلَهُ إذَا دَخَلَ مَسْجِدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَلْ يَتَوَجَّهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَوْ إلَى الْقِبْلَةِ ؟
فَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَكَيْفَ تَصْرِفُ وَجْهَك عَنْهُ وَهُوَ وَسِيلَتُك وَوَسِيلَةُ أَبِيك آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ .
38)
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الشِّفَاءِ لَهُ : وَزِيَارَةٌ قَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الْمُسْلِمِينَ مَجْمَعٌ عَلَيْهَا وَفَضِيلَةٌ مُرَغَّبٌ فِيهَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي } .
39) وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((مَنْ زَارَنِي فِي الْمَدِينَةِ مُحْتَسِبًا كَانَ فِي جِوَارِي وَكُنْت لَهُ شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ ((مَنْ زَارَنِي بَعْدَ مَوْتِي فَكَأَنَّمَا زَارَنِي فِي حَيَاتِي )) .
40) قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْفَقِيهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمِمَّا لَمْ يَزَلْ مِنْ شَأْنِ مَنْ حَجَّ الْمُرُورُ بِالْمَدِينَةِ ، وَالْقَصْدُ إلَى الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالتَّبَرُّكُ بِرُؤْيَةِ رَوْضَتِهِ وَمِنْبَرِهِ وَقَبْرِهِ وَمَجْلِسِهِ وَمَلَامِسِ يَدَيْهِ وَمَوَاطِئِ قَدَمَيْهِ ، وَالْعَمُودِ الَّذِي يَسْتَنِدُ إلَيْهِ وَيَنْزِلُ جِبْرِيلُ بِالْوَحْيِ فِيهِ عَلَيْهِ وَبِمَنْ عَمَّرَهُ وَقَصَدَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَالِاعْتِبَارُ بِذَلِكَ كُلِّهِ .
41) وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ سَمِعْت بَعْضَ مَنْ أَدْرَكْته يَقُولُ : بَلَغَنَا أَنَّهُ مَنْ وَقَفَ عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ { إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } ، ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْك يَا مُحَمَّدٌ يَقُولُهَا سَبْعِينَ مَرَّةً نَادَاهُ مَلَكٌ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْك يَا فُلَانُ وَلَمْ تَسْقُطْ لَهُ حَاجَةٌ .
42) وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَهْدِيِّ قَالَ : قَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَلَمَّا وَدَّعْته قَالَ لِي أَلَك حَاجَةٌ إذَا أَتَيْت الْمَدِينَةَ سَتَرَى قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ .
43) قَالَ غَيْرُهُ : وَكَانَ يُبْرِدُ إلَيْهِ الْبَرِيدَ مِنْ الشَّامِ قَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ : إذَا سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَا يَقِفُ وَوَجْهُهُ إلَى الْقَبْرِ لَا إلَى الْقِبْلَةِ ، وَيَدْنُو وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَلَا يَمَسُّ الْقَبْرَ بِيَدِهِ .
44) وَقَالَ نَافِعٌ : كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُسَلِّمُ عَلَى الْقَبْرِ رَأَيْته مِائَةَ مَرَّةٍ ، وَأَكْثَرُ مَا يَفْعَلُ يَجِيءُ إلَى الْقَبْرِ فَيَقُولُ : السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّلَامُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ السَّلَامُ عَلَى أَبِي حَفْصٍ ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ .
45) وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : وَيَقُولُ إذَا دَخَلَ مَسْجِدَ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : بِسْمِ اللَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَالسَّلَامُ عَلَيْنَا مِنْ رَبِّنَا وَصَلَّى اللَّهُ وَمَلَائِكَتُهُ عَلَى مُحَمَّدٍ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك وَجَنَّتِك وَاحْفَظْنِي مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ، ثُمَّ اقْصِدْ إلَى الرَّوْضَةِ وَهِيَ مَا بَيْنَ الْقَبْرِ ، وَالْمِنْبَرِ فَارْكَعْ فِيهَا رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ وُقُوفِك بِالْقَبْرِ تَحْمَدُ اللَّهَ فِيهِمَا وَتَسْأَلُهُ تَمَامَ مَا خَرَجْت إلَيْهِ ، وَالْعَوْنَ عَلَيْهِ . وَإِنْ كَانَتْ رَكْعَتَاك فِي غَيْرِ الرَّوْضَةِ أَجْزَأْتُك ، وَفِي الرَّوْضَةِ أَفْضَلُ ، ثُمَّ تَقِفُ بِالْقَبْرِ مُتَوَاضِعًا مُتَوَقِّرًا فَتُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُثْنِي عَلَيْهِ بِمَا يَحْضُرُك وَتُسَلِّمُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَتَدْعُو لَهُمَا . قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ : يُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا دَخَلَ وَخَرَجَ قَالَ مُحَمَّدٌ وَإِذَا خَرَجَ جَعَلَ آخِرَ عَهْدِهِ الْوُقُوفَ بِالْقَبْرِ ، وَكَذَلِكَ مَنْ خَرَجَ مُسَافِرًا ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطَةِ : وَلَيْسَ يَلْزَمُ مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَخَرَجَ مِنْهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الْوُقُوفُ بِالْقَبْرِ ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِلْغُرَبَاءِ فَقِيلَ لَهُ إنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَا يَقْدِمُونَ مِنْ سَفَرٍ وَلَا يُرِيدُونَهُ إلَّا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي الْيَوْمِ مَرَّةً ، أَوْ أَكْثَرَ فَيُسَلِّمُونَ وَيَدْعُونَ سَاعَةً فَقَالَ : لَمْ يَبْلُغْنِي هَذَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ بِبَلَدِنَا ، وَلَا يُصْلِحُ آخِرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ إلَّا مَا أَصْلَحَ أَوَّلَهَا ، وَلَمْ يَبْلُغْنِي عَنْ أَوَّلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَصَدْرِهَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ ، وَيُكْرَهُ ذَلِكَ إلَّا لِمَنْ جَاءَ مِنْ سَفَرٍ ، أَوْ أَرَادَهُ . قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : وَرَأَيْت أَهْلَ الْمَدِينَةِ إذَا خَرَجُوا مِنْهَا ، أَوْ دَخَلُوهَا أَتَوْا الْقَبْرَ فَسَلَّمُوا قَالَ ، وَذَلِكَ دَأْبِي . قَالَ الْبَاجِيُّ : فَفَرْقٌ بَيْنَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، وَالْغُرَبَاءِ ؛ لِأَنَّ الْغُرَبَاءَ قَاصِدُونَ إلَى ذَلِكَ ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ مُقِيمُونَ بِهَا لَمْ يَقْصِدُوهَا مِنْ أَجْلِ الْقَبْرِ ، وَالتَّسْلِيمِ . وَفِي الْعُتْبِيَّةِ يَبْدَأُ بِالرُّكُوعِ قَبْلَ السَّلَامِ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَمِنْ كِتَابِ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ الْهِنْدِيِّ : وَمَنْ وَقَفَ بِالْقَبْرِ لَا يَلْتَصِقْ بِهِ وَلَا يَمَسَّهُ وَلَا يَقِفْ عِنْدَهُ طَوِيلًا انْتَهَى .
46) يَعْنِي بِالْوُقُوفِ طَوِيلًا أَنَّ الْحُجْرَةَ الشَّرِيفَةَ دَاخِلُ الدَّرَابِيزِ ، فَإِذَا وَقَفَ طَوِيلًا ضَيَّقَ عَلَى غَيْرِهِ ، وَأَمَّا لَوْ وَقَفَ خَارِجَ الدَّرَابِيزِ فَذَلِكَ الْمَوْضِعُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ حَقَّ الصَّلَاةِ وَانْتِظَارَهَا ، وَالِاعْتِكَافَ وَغَيْرَ ذَلِكَ .
47) وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَدْخُلَ مِنْ دَاخِلِ الدَّرَابِيزِ الَّتِي هُنَاكَ ؛ لِأَنَّ الْمَكَانَ مَحَلُّ احْتِرَامٍ وَتَعْظِيمٍ فَيُنَبِّهُ الْعَالِمُ غَيْرَهُ عَلَى ذَلِكَ وَيُحَذِّرُهُمْ مِنْ تِلْكَ الْبِدَعِ الَّتِي أُحْدِثَتْ هُنَاكَ فَتَرَى مِنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ يَطُوفُ بِالْقَبْرِ الشَّرِيفِ كَمَا يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ الْحَرَامِ وَيَتَمَسَّحُ بِهِ وَيُقَبِّلُهُ وَيُلْقُونَ عَلَيْهِ مَنَادِيلَهُمْ وَثِيَابَهُمْ يَقْصِدُونَ بِهِ التَّبَرُّكَ ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ الْبِدَعِ ؛ لِأَنَّ التَّبَرُّكَ إنَّمَا يَكُونُ بِالِاتِّبَاعِ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَمَا كَانَ سَبَبُ عِبَادَةِ الْجَاهِلِيَّةِ لِلْأَصْنَامِ إلَّا مِنْ هَذَا الْبَابِ ، وَلِأَجْلِ ذَلِكَ كَرِهَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ التَّمَسُّحَ بِجِدَارِ الْكَعْبَةِ ، أَوْ بِجُدْرَانِ الْمَسْجِدِ ، أَوْ بِالْمُصْحَفِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُتَبَرَّكُ بِهِ سَدًّا لِهَذَا الْبَابِ وَلِمُخَالِفَةِ السُّنَّةِ ؛ لِأَنَّ صِفَةَ التَّعْظِيمِ مَوْقُوفَةٌ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
48) فَكُلُّ مَا عَظَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُعَظِّمُهُ وَنَتَّبِعُهُ فِيهِ ، فَتَعْظِيمُ الْمُصْحَفِ قِرَاءَتُهُ ، وَالْعَمَلُ بِمَا فِيهِ لَا تَقْبِيلُهُ وَلَا الْقِيَامُ إلَيْهِ كَمَا يَفْعَلُ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا الزَّمَانِ ، وَكَذَلِكَ الْمَسْجِدُ تَعْظِيمُهُ الصَّلَاةُ فِيهِ لَا التَّمَسُّحُ بِجُدْرَانِهِ . وَكَذَلِكَ الْوَرَقَةُ يَجِدُهَا الْإِنْسَانُ فِي الطَّرِيقِ فِيهَا اسْمٌ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى ، أَوْ اسْمُ نَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، تَرْفِيعُهُ إزَالَةُ الْوَرَقَةِ مِنْ مَوْضِعِ الْمَهَانَةِ إلَى مَوْضِعٍ تُرْفَعُ فِيهِ لَا بِتَقْبِيلِهَا ، وَكَذَلِكَ الْخُبْزُ يَجِدُهُ الْإِنْسَانُ مُلْقًى بَيْنَ الْأَرْجُلِ ؛ تَعْظِيمُهُ أَكْلُهُ لَا تَقْبِيلُهُ ، وَكَذَلِكَ الْوَلِيُّ تَعْظِيمُهُ اتِّبَاعُهُ لَا تَقْبِيلُ يَدِهِ وَقَدَمِهِ ، وَلَا التَّمَسُّحُ بِهِ . فَكَذَلِكَ مَا نَحْنُ بِسَبِيلِهِ تَعْظِيمُهُ بِاتِّبَاعِهِ لَا بِالِابْتِدَاعِ عِنْدَهُ .
49) وَمِنْ هَذَا الْبَابِ أَيْضًا قَوْلُ بَعْضِهِمْ فِي الْمُصْحَفِ مُصَيْحِفٌ ، وَفِي الْكِتَابِ كُتَيِّبٌ ، وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ حِينَ مُنَاوَلَتِهِمْ الْمُصْحَفَ ، وَالْكِتَابَ لَفْظَةَ حَاشَاك ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي الْمَسْجِدِ مُسَيْجِدٌ وَفِي الدُّعَاءِ اُدْعُ لِي دُعَيْوَةً إلَى غَيْرِ ذَلِكَ . وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ شَنِيعَةٌ قَبِيحَةٌ لَوْ عَلِمُوا مَا فِيهَا مِنْ الْخَطَرِ مَا تَكَلَّمُوا بِهَا ، إذْ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ تَعْظِيمُهُ مَطْلُوبٌ ، وَالتَّصْغِيرُ ضِدُّهُ ، وَقَدْ قَالَ : عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ((لَعَنْ اللَّهُ الْيَهُودَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ } انْتَهَى ، فَإِذَا كَانَ هَذَا الذَّمُّ الْعَظِيمُ فِيمَنْ اتَّخَذَ الْمَوْضِعَ مَسْجِدًا فَكَيْف بِالطَّوَافِ عِنْدَهُ .
50) وَأَمَّا أَكْلُ التَّمْرِ عِنْدَهُ فِي الرَّوْضَةِ الْمُشَرَّفَةِ فَمَمْنُوعٌ ، إذْ أَنَّ فِيهِ قِلَّةُ أَدَبٍ وَاحْتِرَامٍ مَعَهُ وَمَعَ مَسْجِدِهِ وَمَعَ رَوْضَتِهِ الَّتِي عَظَّمَهَا وَرَفَعَهَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هَذَا وَجْهٌ . الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ عَامَّتَهُمْ يُلْقُونَ النَّوَى هُنَاكَ وَهُوَ أَذًى فَيَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الذُّبَابُ ، وَفِي ذَلِكَ مِنْ الْأَذَى لِلْمَوْضِعِ الشَّرِيفِ مَا فِيهِ . الثَّالِثُ : أَنَّهُ يُعَامِلُ الْمَوْضِعَ الَّذِي عَظَّمَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالنَّقِيضِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَكَلَ التَّمْرَ حَصَلَ لُعَابُهُ فِي النَّوَاةِ ، ثُمَّ يَأْخُذُهَا وَيُلْقِيهَا فِي الْمَسْجِدِ وَلُعَابُهُ عَلَيْهَا ، وَهَذَا بُصَاقٌ فِي الْمَسْجِدِ ، وَفِيهِ مِنْ سُوءِ الْأَدَبِ وَقِلَّةِ الِاحْتِرَامِ مَا هُوَ مُشَاهَدٌ مَرْئِيٌّ أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى السَّلَامَةَ بِمَنِّهِ .
51)
فَإِذَا زَارَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِنْ قَدَرَ أَنْ لَا يَجْلِسَ فَهُوَ بِهِ أَوْلَى ، فَإِنْ عَجَزَ ، فَلَهُ أَنْ يَجْلِسَ بِالْأَدَبِ ، وَالِاحْتِرَامِ ، وَالتَّعْظِيمِ ، وَقَدْ لَا يَحْتَاجُ الزَّائِرُ فِي طَلَبِ حَوَائِجِهِ وَمَغْفِرَةِ ذُنُوبِهِ أَنْ يَذْكُرَهَا بِلِسَانِهِ ، بَلْ يُحْضِرُ ذَلِكَ فِي قَلْبِهِ وَهُوَ حَاضِرٌ بَيْنَ يَدَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَعْلَمُ مِنْهُ بِحَوَائِجِهِ وَمَصَالِحِهِ وَأَرْحَمُ بِهِ مِنْهُ لِنَفْسِهِ ، وَأَشْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ أَقَارِبِهِ ، وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : ((إنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ الْفَرَاشِ تَقَعُونَ فِي النَّارِ وَأَنَا آخُذُ بِحُجُزِكُمْ عَنْهَا )) . أَوْ كَمَا قَالَ .
52) وَهَذَا فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَأَوَانٍ أَعْنِي فِي التَّوَسُّلِ بِهِ وَطَلَبِ الْحَوَائِجِ بِجَاهِهِ عِنْدَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَنْ لَمْ يُقَدَّرْ لَهُ زِيَارَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجِسْمِهِ فَلْيَنْوِهَا كُلَّ وَقْتٍ بِقَلْبِهِ ، وَلْيُحْضِرْ قَلْبَهُ أَنَّهُ حَاضِرٌ بَيْنَ يَدَيْهِ مُتَشَفِّعًا بِهِ إلَى مَنْ مَنَّ بِهِ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ السَّيِّدِ الْبَطَلْيُوسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي رُقْعَتِهِ الَّتِي أَرْسَلَهَا إلَيْهِ مِنْ أَبْيَاتٍ : إلَيْك أَفِرُّ مِنْ زَلَلِي وَذَنْبِي وَأَنْتَ إذَا لَقِيت اللَّهَ حَسْبِي وَزَوْرَةُ قَبْرِك الْمَحْجُوجُ قِدَمًا مُنَايَ وَبُغْيَتِي لَوْ شَاءَ رَبِّي ، فَإِنْ أُحْرَمْ زِيَارَتَهُ بِجِسْمِي فَلَمْ أُحْرَمْ زِيَارَتَهُ بِقَلْبِي إلَيْك غَدَتْ رَسُولَ اللَّهِ مِنِّي تَحِيَّةُ مُؤْمِنٍ دَنِفٍ مُحِبِّ اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا شَفَاعَتَهُ وَلَا عِنَايَتَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَدْخَلْنَا بِفَضْلِك فِي زُمْرَةِ الْمُتَّبِعِينَ لَهُ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ بِجَاهِهِ عِنْدَك ، فَإِنَّ جَاهَهُ عِنْدَك عَظِيمٌ .
53)
ثُمَّ يُسَلِّمُ عَلَى صَاحِبِهِ وَأَوَّلِ خُلَفَائِهِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَيَتَرَضَّى عَنْهُ وَيُثْنِي عَلَيْهِ بِمَا حَضَرَهُ . ثُمَّ يَفْعَلُ كَذَلِكَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَيَتَوَسَّلُ بِهِمَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُقَدِّمُهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ شَفِيعَيْنِ فِي حَوَائِجِهِ .
54) ثُمَّ هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْبَقِيعِ لِيَزُورَ مَنْ فِيهِ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِذَا أَتَى إلَى الْبَقِيعِ بَدَأَ بِثَالِثِ الْخُلَفَاءِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، ثُمَّ يَأْتِي قَبْرَ الْعَبَّاسِ عَمِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ يَأْتِي مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْأَكَابِرِ .
55) وَيَنْوِي امْتِثَالَ السُّنَّةِ فِي كَوْنِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَزُورُ أَهْلَ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ ، وَهَذَا نَصٌّ فِي الزِّيَارَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا قُرْبَةٌ بِنَفْسِهَا مُسْتَحَبَّةٌ مَعْمُولٌ بِهَا فِي الدِّينِ ظَاهِرَةٌ بَرَكَتُهَا عِنْدَ السَّلَفِ ، وَالْخَلَفِ ، وَهَذَا الَّذِي ذُكِرَ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ كَانَتْ إقَامَتُهُ كَثِيرَةً بِالْمَدِينَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ ، وَالسَّلَامِ .
56) فَأَمَّا الزَّائِرُ أَيَّامًا وَيَرْجِعُ فَالْأَوْلَى لَهُ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ مُشَاهَدَتِهِ وَجِوَارِهِ ، وَالْمُقَامِ عِنْدَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، فَإِنَّهُ عَرُوسُ الْمَمْلَكَةِ وَبَابُ قَضَاءِ الْحَوَائِجِ دِينًا وَدُنْيَا وَأُخْرَى فَيَذْهَبُ إلَى أَيْنَ .
57) وَقَدْ فَرَّقَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بَيْنَ الْأَفَّاقِي ، وَالْمُقِيمِ فِي التَّنَفُّلِ بِالطَّوَافِ ، وَالصَّلَاةِ فَقَالُوا : الطَّوَافُ فِي حَقِّ الْأَفَّاقِي أَفْضَلُ لَهُ ، وَالتَّنَفُّلُ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ أَفْضَلُ ، وَمَا نَحْنُ بِسَبِيلِهِ مِنْ بَابِ أَوْلَى فَمَنْ كَانَ مُقِيمًا خَرَجَ إلَى زِيَارَةِ أَهْلِ الْبَقِيعِ وَمَنْ كَانَ مُسَافِرًا فَلْيَغْتَنِمْ مُشَاهَدَتَهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ ، وَقَدْ قَالَ لِي سَيِّدِي أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَنْ دَخَلَ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ : مَا جَلَسْت فِي الْمَسْجِدِ إلَّا الْجُلُوسَ فِي الصَّلَاةِ ، أَوْ كَلَامًا هَذَا مَعْنَاهُ ، وَمَا زِلْت وَاقِفًا هُنَاكَ حَتَّى رَحَلَ الرَّكْبُ وَلَمْ أَخْرُجْ إلَى بَقِيعٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلَمْ أَزُرْ غَيْرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَ قَدْ خَطَرَ لِي أَنْ أَخْرُجَ إلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ فَقُلْت : إلَى أَيْنَ أَذْهَبُ ؟ هَذَا بَابُ اللَّهِ تَعَالَى الْمَفْتُوحُ لِلسَّائِلِينَ ، وَالطَّالِبِينَ ، وَالْمُنْكَسِرِينَ ، وَالْمُضْطَرِّينَ ، وَالْفُقَرَاءِ ، وَالْمَسَاكِينِ ، وَلَيْسَ ثَمَّ مَنْ يُقْصَدُ مِثْلُهُ ، فَمَنْ عَمِلَ عَلَى هَذَا ظَفَرَ وَنَجَحَ بِالْمَأْمُولِ ، وَالْمَطْلُوبِ ، أَوْ كَمَا قَالَ .

14) أهل السنة والجماعة عند الدكتور أبى الوفا التفتازانى :

أهل السنة والجماعة عند الدكتور أبى الوفا التفتازانى([1]) :
1) يقول رحمه الله تعالى : ((يبدو أن تسمية أهل السنة والجماعة تطلق عند علماء المسلمين على كل من يلتزم السنة وهى طريقة النبى صلى الله عليه وسلم ويتبع الجماعة وهم الصحابة ، ولعل المقصود بها جمهور المسلمين ممن لم ينتم إلى فرقة بعينها من الفرق الكلامية التى اعتبرت فى بعض آرائها حائدة عن طريق السنة ، وما مضى عليه الجماعة ، وقد سمى أهل السنة أحيانا باسم السلف ، لاتباعهم طريقة السلف فى العقائد ، وذلك منذ وقت مبكر فى تاريخ الإسلام ، ولعل هذه التسمية – أعنى أهل السنة والجماعة – ظهرت منذ ظهور الفرق ، وعلى الأخص المعتزلة ، فقد أظهرنا الشهرستانى على أن جماعة كثيرة من السلف كانوا يثبتون لله صفات أزلية من العلم والقدرة والحياة والإرادة والسمع والبصر والكلام والجلال والإكرام والجود والإنعام والعزة والعظمة ، ولا يفرقون بين صفات الذات وصفات الفعل ، بل يسوقون الكلام فيها سوقا واحدا ، إلا أنهم يقولون : هذه الصفات قد وردت فى الشرع فنسميها صفات خيرية ، ولما كان المعتزلة ينفون الصفات ، والسلف يثبتونها ، سمى السلف صفاتية ، والمعتزلة معطلة ، وكان من أولئك السلف أيضا من تأول الصفات ، ومنهم من وقف فى تأويلها . وكان من السلف الذين لم يتعرضوا لتأويل الصفات ، ولم يقعوا فى التشبيه : مالك بن أنس ، وقد بين موقفه من مسألة الصفات حينما سئل عن استواء الله على عرشه ، فقال : الاستواء معلوم ، والكيفية مجهولة ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة . ومنهم أيضا : أحمد بن حنبل ، وسفيان الثورى ، وداود بن على الأصفهانى ، ومن تابعهم .
2) ثم لما جاء عبد الله بن سعيد الكلابى ، وأبو العباس القلانسى ، والحارث بن أسد المحاسبى ، وكان هؤلاء من جملة السلف ، إلا أنهم باشروا علم الكلام أيدوا عقائد السلف بحجج كلامية وبراهين أصولية ، ودرسوا وصنفوا فى عقائد السلف .
3) ثم لما جاء الإمام أبو الحسن الأشعرى وجرت بينه وبين أستاذه الجبائى وكان معتزليا مناظرة فى مسألة الصلاح والأصلح تخاصما وكان من نتائج ذلك أن انحاز الأشعرى إلى طائفة السلف ، فأيد مقالتهم بمناهج كلامية ، وصار مذهب الأشعرى بهذا مذهبا لأهل السنة والجماعة ، هذا هو ما يظهرنا عليه الشهرستانى متعلقا بتاريخ نشأة أهل السنة والجماعة ، ومنه يتبين أنهم ليسوا فرق بالمعنى الدقيق لكلمة فرقة ، ولكنهم جماعة المسلمين كلها ، التى ترسمت سنة النبى صلى الله عليه وسلم وطريقة أصحابه فى العقائد .
4) وكل ما فعله الأشعرى هو أنه صاغ مذاهب تلك الجماعة صياغة كلامية ، ودلل عليها بالبراهين العقلية وإن كان قد سبقه إلى ذلك آخرون كالكلابى والقلانسى والمحاسبى .

5) ومن هنا أمكن القول بأن مذهب الأشعرى ليس إلا عقائد أهل السنة والجماعة فى صورة عقلية منهجية .
6) ولكن يبدو أن الأشعرى لم يكن هو وحده فى عصره الذى لجأ إلى الدفاع عن مقالة أهل السنة والجماعة بمناهج كلامية ، وإنما كان يعاصره متكلم آخر توخى تحقيق نفس الهدف هو : أبو منصور الماتريدى(
[2]) ، والذى كان بينه وبين الأشعرى خلافات يسيرة حول بعض مسائل العقائد .
7) إلا أن مذهب الأشعرى قد قدر له دون غيره من المذاهب أن يسيطر على غالبية العالم الإسلامى ، وذلك إلى يومنا هذا ، واندثر غيره من المذاهب أو ضعف شأنه ، وقد سار مذهب الأشعرى الكلامى بعد ذلك جنبا إلى جنب مع المذاهب السنية الفقهية وهى : المالكى ، والحنفى ، والشافعى ، والحنبلى ، وذلك فى مصر فى عهد الظاهر بيبرس ، وفى معظم الأقطار الإسلامية أيضا ، وقد انتمى أقطاب بارزن من رجال الفكر الإسلامى إلى مدرسة الأشعرى كالباقلانى ، والجوينى والغزالى وفخر الدين الرازى ، وغيرهم ، فتقوى بذلك مذهب الأشعرى ، وحظى باحترام المسلمين . ويظهرنا البغدادى فى الفرق بين الفرق على أن اسم أهل السنة والجماعة قد أطلق على طوائف مختلفة من أهل الرأى وأهل الحديث والقراء والمحدثين والمتكلمين ، فدخل فيه جمهور الأمة الإسلامية ، وسوادها الأعظم من أصحاب مالك والشافعى وأبى حنيفة وابن حنبل ، بل والصوفية ممن ترسموا خطى أهل السنة والجماعة فى عقائدهم))([3]) .
([1]) الدكتور أبو الوفا الغنيمى التفتازانى ، من كبار المتخصصين فى الفلسفة الإسلامية ، ومن كبار رجال التصوف بمصر ، تولى أستاذية الفلسفة الإسلامية بجامعة القاهرة ، وترقى فى المناصب العلمية والإدارية ، حتى تولى رئاسة جامعة القاهرة ، كما أنه من أحد أهم بيوت العلم والدين والتصوف ، وقد تولى مشيخة الطرق الصوفية بمصر ، رحمه الله ورضى الله عنه . وهناك كتاب تذكارى نشر بمصر عنه جمع مجموعة من البحوث والدراسات حوله أو مهداة إليه فى ذكراه . وله مجموعة مهمة من الدراسات فى الفلسفة الإسلامية منها : المدخل إلى التصوف الإسلامى – علم الكلام وبعض مشكلاته – ابن عطاء الله السكندرى وتصوفه .
([2]) محمد بن محمد بن محمود ، المعروف بأبى منصور الماتريدى ، ولد بماتريد ، وهى أحد قرى سمرقند ، وتوفى سنة 333 هـ ، وهو ينتمى إلى مذهب أبى حنيفة الفقهى ، انظر : حاشية الكستلى على شرح العقائد النسفية (ص 17) ، نقلا عن : د . التفتازانى ، علم الكلام وبعض مشكلاته ، (ص 61) .
([3]) د . التفتازانى ، علم الكلام وبعض مشكلاته ، (ص 60 – 62) .