أهل السنة والجماعة عند الدكتور أبى الوفا التفتازانى([1]) :
1) يقول رحمه الله تعالى : ((يبدو أن تسمية أهل السنة والجماعة تطلق عند علماء المسلمين على كل من يلتزم السنة وهى طريقة النبى صلى الله عليه وسلم ويتبع الجماعة وهم الصحابة ، ولعل المقصود بها جمهور المسلمين ممن لم ينتم إلى فرقة بعينها من الفرق الكلامية التى اعتبرت فى بعض آرائها حائدة عن طريق السنة ، وما مضى عليه الجماعة ، وقد سمى أهل السنة أحيانا باسم السلف ، لاتباعهم طريقة السلف فى العقائد ، وذلك منذ وقت مبكر فى تاريخ الإسلام ، ولعل هذه التسمية – أعنى أهل السنة والجماعة – ظهرت منذ ظهور الفرق ، وعلى الأخص المعتزلة ، فقد أظهرنا الشهرستانى على أن جماعة كثيرة من السلف كانوا يثبتون لله صفات أزلية من العلم والقدرة والحياة والإرادة والسمع والبصر والكلام والجلال والإكرام والجود والإنعام والعزة والعظمة ، ولا يفرقون بين صفات الذات وصفات الفعل ، بل يسوقون الكلام فيها سوقا واحدا ، إلا أنهم يقولون : هذه الصفات قد وردت فى الشرع فنسميها صفات خيرية ، ولما كان المعتزلة ينفون الصفات ، والسلف يثبتونها ، سمى السلف صفاتية ، والمعتزلة معطلة ، وكان من أولئك السلف أيضا من تأول الصفات ، ومنهم من وقف فى تأويلها . وكان من السلف الذين لم يتعرضوا لتأويل الصفات ، ولم يقعوا فى التشبيه : مالك بن أنس ، وقد بين موقفه من مسألة الصفات حينما سئل عن استواء الله على عرشه ، فقال : الاستواء معلوم ، والكيفية مجهولة ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة . ومنهم أيضا : أحمد بن حنبل ، وسفيان الثورى ، وداود بن على الأصفهانى ، ومن تابعهم .
2) ثم لما جاء عبد الله بن سعيد الكلابى ، وأبو العباس القلانسى ، والحارث بن أسد المحاسبى ، وكان هؤلاء من جملة السلف ، إلا أنهم باشروا علم الكلام أيدوا عقائد السلف بحجج كلامية وبراهين أصولية ، ودرسوا وصنفوا فى عقائد السلف .
3) ثم لما جاء الإمام أبو الحسن الأشعرى وجرت بينه وبين أستاذه الجبائى وكان معتزليا مناظرة فى مسألة الصلاح والأصلح تخاصما وكان من نتائج ذلك أن انحاز الأشعرى إلى طائفة السلف ، فأيد مقالتهم بمناهج كلامية ، وصار مذهب الأشعرى بهذا مذهبا لأهل السنة والجماعة ، هذا هو ما يظهرنا عليه الشهرستانى متعلقا بتاريخ نشأة أهل السنة والجماعة ، ومنه يتبين أنهم ليسوا فرق بالمعنى الدقيق لكلمة فرقة ، ولكنهم جماعة المسلمين كلها ، التى ترسمت سنة النبى صلى الله عليه وسلم وطريقة أصحابه فى العقائد .
4) وكل ما فعله الأشعرى هو أنه صاغ مذاهب تلك الجماعة صياغة كلامية ، ودلل عليها بالبراهين العقلية وإن كان قد سبقه إلى ذلك آخرون كالكلابى والقلانسى والمحاسبى .
5) ومن هنا أمكن القول بأن مذهب الأشعرى ليس إلا عقائد أهل السنة والجماعة فى صورة عقلية منهجية .
6) ولكن يبدو أن الأشعرى لم يكن هو وحده فى عصره الذى لجأ إلى الدفاع عن مقالة أهل السنة والجماعة بمناهج كلامية ، وإنما كان يعاصره متكلم آخر توخى تحقيق نفس الهدف هو : أبو منصور الماتريدى([2]) ، والذى كان بينه وبين الأشعرى خلافات يسيرة حول بعض مسائل العقائد .
7) إلا أن مذهب الأشعرى قد قدر له دون غيره من المذاهب أن يسيطر على غالبية العالم الإسلامى ، وذلك إلى يومنا هذا ، واندثر غيره من المذاهب أو ضعف شأنه ، وقد سار مذهب الأشعرى الكلامى بعد ذلك جنبا إلى جنب مع المذاهب السنية الفقهية وهى : المالكى ، والحنفى ، والشافعى ، والحنبلى ، وذلك فى مصر فى عهد الظاهر بيبرس ، وفى معظم الأقطار الإسلامية أيضا ، وقد انتمى أقطاب بارزن من رجال الفكر الإسلامى إلى مدرسة الأشعرى كالباقلانى ، والجوينى والغزالى وفخر الدين الرازى ، وغيرهم ، فتقوى بذلك مذهب الأشعرى ، وحظى باحترام المسلمين . ويظهرنا البغدادى فى الفرق بين الفرق على أن اسم أهل السنة والجماعة قد أطلق على طوائف مختلفة من أهل الرأى وأهل الحديث والقراء والمحدثين والمتكلمين ، فدخل فيه جمهور الأمة الإسلامية ، وسوادها الأعظم من أصحاب مالك والشافعى وأبى حنيفة وابن حنبل ، بل والصوفية ممن ترسموا خطى أهل السنة والجماعة فى عقائدهم))([3]) .
([1]) الدكتور أبو الوفا الغنيمى التفتازانى ، من كبار المتخصصين فى الفلسفة الإسلامية ، ومن كبار رجال التصوف بمصر ، تولى أستاذية الفلسفة الإسلامية بجامعة القاهرة ، وترقى فى المناصب العلمية والإدارية ، حتى تولى رئاسة جامعة القاهرة ، كما أنه من أحد أهم بيوت العلم والدين والتصوف ، وقد تولى مشيخة الطرق الصوفية بمصر ، رحمه الله ورضى الله عنه . وهناك كتاب تذكارى نشر بمصر عنه جمع مجموعة من البحوث والدراسات حوله أو مهداة إليه فى ذكراه . وله مجموعة مهمة من الدراسات فى الفلسفة الإسلامية منها : المدخل إلى التصوف الإسلامى – علم الكلام وبعض مشكلاته – ابن عطاء الله السكندرى وتصوفه .
([2]) محمد بن محمد بن محمود ، المعروف بأبى منصور الماتريدى ، ولد بماتريد ، وهى أحد قرى سمرقند ، وتوفى سنة 333 هـ ، وهو ينتمى إلى مذهب أبى حنيفة الفقهى ، انظر : حاشية الكستلى على شرح العقائد النسفية (ص 17) ، نقلا عن : د . التفتازانى ، علم الكلام وبعض مشكلاته ، (ص 61) .
([3]) د . التفتازانى ، علم الكلام وبعض مشكلاته ، (ص 60 – 62) .
1) يقول رحمه الله تعالى : ((يبدو أن تسمية أهل السنة والجماعة تطلق عند علماء المسلمين على كل من يلتزم السنة وهى طريقة النبى صلى الله عليه وسلم ويتبع الجماعة وهم الصحابة ، ولعل المقصود بها جمهور المسلمين ممن لم ينتم إلى فرقة بعينها من الفرق الكلامية التى اعتبرت فى بعض آرائها حائدة عن طريق السنة ، وما مضى عليه الجماعة ، وقد سمى أهل السنة أحيانا باسم السلف ، لاتباعهم طريقة السلف فى العقائد ، وذلك منذ وقت مبكر فى تاريخ الإسلام ، ولعل هذه التسمية – أعنى أهل السنة والجماعة – ظهرت منذ ظهور الفرق ، وعلى الأخص المعتزلة ، فقد أظهرنا الشهرستانى على أن جماعة كثيرة من السلف كانوا يثبتون لله صفات أزلية من العلم والقدرة والحياة والإرادة والسمع والبصر والكلام والجلال والإكرام والجود والإنعام والعزة والعظمة ، ولا يفرقون بين صفات الذات وصفات الفعل ، بل يسوقون الكلام فيها سوقا واحدا ، إلا أنهم يقولون : هذه الصفات قد وردت فى الشرع فنسميها صفات خيرية ، ولما كان المعتزلة ينفون الصفات ، والسلف يثبتونها ، سمى السلف صفاتية ، والمعتزلة معطلة ، وكان من أولئك السلف أيضا من تأول الصفات ، ومنهم من وقف فى تأويلها . وكان من السلف الذين لم يتعرضوا لتأويل الصفات ، ولم يقعوا فى التشبيه : مالك بن أنس ، وقد بين موقفه من مسألة الصفات حينما سئل عن استواء الله على عرشه ، فقال : الاستواء معلوم ، والكيفية مجهولة ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة . ومنهم أيضا : أحمد بن حنبل ، وسفيان الثورى ، وداود بن على الأصفهانى ، ومن تابعهم .
2) ثم لما جاء عبد الله بن سعيد الكلابى ، وأبو العباس القلانسى ، والحارث بن أسد المحاسبى ، وكان هؤلاء من جملة السلف ، إلا أنهم باشروا علم الكلام أيدوا عقائد السلف بحجج كلامية وبراهين أصولية ، ودرسوا وصنفوا فى عقائد السلف .
3) ثم لما جاء الإمام أبو الحسن الأشعرى وجرت بينه وبين أستاذه الجبائى وكان معتزليا مناظرة فى مسألة الصلاح والأصلح تخاصما وكان من نتائج ذلك أن انحاز الأشعرى إلى طائفة السلف ، فأيد مقالتهم بمناهج كلامية ، وصار مذهب الأشعرى بهذا مذهبا لأهل السنة والجماعة ، هذا هو ما يظهرنا عليه الشهرستانى متعلقا بتاريخ نشأة أهل السنة والجماعة ، ومنه يتبين أنهم ليسوا فرق بالمعنى الدقيق لكلمة فرقة ، ولكنهم جماعة المسلمين كلها ، التى ترسمت سنة النبى صلى الله عليه وسلم وطريقة أصحابه فى العقائد .
4) وكل ما فعله الأشعرى هو أنه صاغ مذاهب تلك الجماعة صياغة كلامية ، ودلل عليها بالبراهين العقلية وإن كان قد سبقه إلى ذلك آخرون كالكلابى والقلانسى والمحاسبى .
5) ومن هنا أمكن القول بأن مذهب الأشعرى ليس إلا عقائد أهل السنة والجماعة فى صورة عقلية منهجية .
6) ولكن يبدو أن الأشعرى لم يكن هو وحده فى عصره الذى لجأ إلى الدفاع عن مقالة أهل السنة والجماعة بمناهج كلامية ، وإنما كان يعاصره متكلم آخر توخى تحقيق نفس الهدف هو : أبو منصور الماتريدى([2]) ، والذى كان بينه وبين الأشعرى خلافات يسيرة حول بعض مسائل العقائد .
7) إلا أن مذهب الأشعرى قد قدر له دون غيره من المذاهب أن يسيطر على غالبية العالم الإسلامى ، وذلك إلى يومنا هذا ، واندثر غيره من المذاهب أو ضعف شأنه ، وقد سار مذهب الأشعرى الكلامى بعد ذلك جنبا إلى جنب مع المذاهب السنية الفقهية وهى : المالكى ، والحنفى ، والشافعى ، والحنبلى ، وذلك فى مصر فى عهد الظاهر بيبرس ، وفى معظم الأقطار الإسلامية أيضا ، وقد انتمى أقطاب بارزن من رجال الفكر الإسلامى إلى مدرسة الأشعرى كالباقلانى ، والجوينى والغزالى وفخر الدين الرازى ، وغيرهم ، فتقوى بذلك مذهب الأشعرى ، وحظى باحترام المسلمين . ويظهرنا البغدادى فى الفرق بين الفرق على أن اسم أهل السنة والجماعة قد أطلق على طوائف مختلفة من أهل الرأى وأهل الحديث والقراء والمحدثين والمتكلمين ، فدخل فيه جمهور الأمة الإسلامية ، وسوادها الأعظم من أصحاب مالك والشافعى وأبى حنيفة وابن حنبل ، بل والصوفية ممن ترسموا خطى أهل السنة والجماعة فى عقائدهم))([3]) .
([1]) الدكتور أبو الوفا الغنيمى التفتازانى ، من كبار المتخصصين فى الفلسفة الإسلامية ، ومن كبار رجال التصوف بمصر ، تولى أستاذية الفلسفة الإسلامية بجامعة القاهرة ، وترقى فى المناصب العلمية والإدارية ، حتى تولى رئاسة جامعة القاهرة ، كما أنه من أحد أهم بيوت العلم والدين والتصوف ، وقد تولى مشيخة الطرق الصوفية بمصر ، رحمه الله ورضى الله عنه . وهناك كتاب تذكارى نشر بمصر عنه جمع مجموعة من البحوث والدراسات حوله أو مهداة إليه فى ذكراه . وله مجموعة مهمة من الدراسات فى الفلسفة الإسلامية منها : المدخل إلى التصوف الإسلامى – علم الكلام وبعض مشكلاته – ابن عطاء الله السكندرى وتصوفه .
([2]) محمد بن محمد بن محمود ، المعروف بأبى منصور الماتريدى ، ولد بماتريد ، وهى أحد قرى سمرقند ، وتوفى سنة 333 هـ ، وهو ينتمى إلى مذهب أبى حنيفة الفقهى ، انظر : حاشية الكستلى على شرح العقائد النسفية (ص 17) ، نقلا عن : د . التفتازانى ، علم الكلام وبعض مشكلاته ، (ص 61) .
([3]) د . التفتازانى ، علم الكلام وبعض مشكلاته ، (ص 60 – 62) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق